حلم ذات ليلة الديمقراطية وصباح الأحمد والنيباري والسيدة فريال

انها ليلة هادئة ساكنة كانت هي الثالثة التي قضيتها وحيدا في المزرعة أعمل طول النهار بيدي مع العمال واتجادل مع سائقي المعدات الذين حضروا لمساعدتي على ردم منطقة اقوم بتعميرها على امل ان تكون جاهزة قبل حلول الربيع

القادم. والسبب في ذلك ان يراها جاسم السعدون الذي يلومني على عدم الاستفادة من المزرعة ذات المياة العذبة التي لا يجد فيها شيء يأكله عندما يزورني سوى الكنار والفجل والجرجير.

انها ليلة هادئ ساكنة لم يتيسر لي خلالها متابعة الفضائيات وتبادل الهموم وتحليل احداث الواقع العربي الردئ والحزين الذي نتفرج عليه وكانه مسلسل رعب. وبحكم العادة قبل النوم صرت ابحث عن شيء أقرأه فوجدت جريدة الراية القطرية تحمل خبراً توقفت عنده مرة اخرى يقول عنوانه "صحيفة كويتيه تناشد الاسرة الحاكمة حل خلافاتها" "وينسب الخبر لصحيفة الرأي العام الكويتية انها طالبت الاسرة الحاكمة في الكويت بجهد استثنائي يضع حدا للافكار السوداء التي ترسم ظلالها وللممارسات السوداء التي تغذيها" (الراية 18/11/2004 ص1).

ذهبت الى النوم متعب الجسم أنشد السرير والنومة الهانئة التي اعتدت عليها في المزرعة لا سيما في الليالي الباردة عندما يصمت المكيف ويعم الصمت المكان إلا من صوت الريح وحفيف الاشجار. وبالفعل ذهبت في نومة هنيئة متصله لمدة ساعات صحيت منها عند الفجر على شتات احداث وافكار هي الى العلم اقرب منها الى الحلم، يصدق عليها وصف اضغاث احلام.

رأيت فيما يرى النائم ان احد اصدقائي الاعلاميين من الكويت - لم يتيسر لي عندما صحيت ان احدد شخصه- قد رتب لي مقابلة مع سمو الشيخ صباح الاحمد. وكان الغرض من الزيارة هو أن أطلب تبرعا لغرض خيري لم يتضح لي في الحلم. ولكنه لا يعدو أحد أمرين أسعى لجمع تبرعات لكل منهما: أولهما: صندوق العون القانوني للفلسطينيين من أجل الدفاع القانوني عن الاسرى والمعتقلين في فلسطين. وثانيهما: وقف دراسات الشوري والديمقراطية من أجل تمويل مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية الذي يتخذ من اكسفورد مقرا له.

وقد كانت مقابلة سمو الشيخ صباح في الحلم مقابلة غير رسميه حميمة يبدوا انها في احدى ليالي رمضان، ولم يكن هناك ناس كثيرون ولا حتى كراسي فخمة، وانما جلسة مساند على الارض تشبه جلسات لعب تسالي الورق - الجوكر في ليالي رمضان. وأذكر إنني كنت أدعوا الشيخ بأبو ناصر هذا مع العلم انني لم اقابل الشيخ صباح في حياتي وانما قابلت ابنه الشيخ ناصر في ندوة مستقبل العلاقات الكويتية العراقية التي عقدت في الكويت في اواخر التسعينيات على ما أذكر.

في جو الحلم هذا وجدت الشيخ صباح يقترب مني ويتكئ على مسند ويسألني عن امر ربما له علاقة بحل خلافات واجراء إصلاحات، ولا أذكر الان سؤاله لي، وانما أذكر انني استفدت من هذه الفرصة لانقل له ما أره من خلافات يجب أن تحل وإصلاحات حان وقتها منذ زمان بعيد، ليس ذلك في الكويت وانما في جميع دول مجلس التعاون بل الدول العربية كلها دون استثناء. وربما كانت لحظة سؤاله المحدد حافزاً لي على تقديم إجابة عامه حيث ذكرت له ما معناه، ان هناك خلافات كثيرة يجب حلها، ومرتكز الحل ومنطلقه يتطلب تطبيق مبدا المواطنة والمساواة بين كل المواطنين قولا وفعلا وتعميق الديمقراطية في الكويت حتى لا تكون هناك صراعات بين الفئات ولا بين افراد كل فئة. والامر الاخر هو حرمة المال العام وصيانته من الفساد وسؤ الاستغلال حتى تطمئن النفوس وتكون العلاقة بين أفراد الفئة الواحدة وبين الحكومة والشعب علاقة شفافة على المحفة البيضاء، ولا يكون النفوذ مصدراً للثرة والدخل غير المشروع.

وهنا على ما أذكر من احداث الحلم، تغير الشيخ صباح واعتدل في جلسته وقطع الحديث وأهملني طوال السهرة، فلم يقدم لي شراب ولا أكل كنت انتظره على العادة في جلسات رمضان. وعندما حان وقت السحور وأنا على هذا الحال جائني رد الشيخ صباح غاضبا موضحا موقفه الصامت طوال السهرة حيث أمر مرافقي ان ياخذني الى مطعم حتى أكل سحوري. وعندما حاولت الحديث معه، أذكر من الحلم انه قال لي احمد الله انني لم اسجنك ولك ان تعود الى بلدك. وقد حاولت أن أرد ملطفا قولي بابو ناصر ولكن هذه المرة لم يترك لي فرصة الا فرصة مغادرة المكان. فغادرتة مع مرافقي بعد ان قلت انني لن اتسحر في مطعم.

ويتواصل الحلم الذي هو من أحلام الفجر او قل مسلسلاته، التي نتذكر في العادة بعضها وتغيب عنا بعض تفاصيلها الاخر. انني عندما خرجت مع مرافقي ناويا على السفر دون سحور وجدت الصديق عبدالله النيباري وكان أقصر مما أعرفه قليلا بنظارة بنية سميكة ويلبس غترة وعقال على غير عادته الراهنة بعد ان نحا من رصاصة غادرة جائرة أصابت يده وكتفه باعاقة تمنعه من رفعها للبس العقال منذ زمن، حيث أصبح مضطراً الى لبس البدله لان لبسها أسهل. وجدت عبدالله وكانه يعرف ماذا صار، يحدثني همساً داعيا اياي الى البيت عنده. فذهبنا ووصلنا في الصباح محاولاً في الطريق شرح ما حدث، ناوياً السفر على اول طائرة.

وعندما وصلنا البيت كانت زوجتة الفاضلة الاخت فريال نائمة فصحت على حركة دخول عبدالله ونهضت وسمعتها تقول له "من الحين صاحين" فرديت عليها هو احنا نمنا حتى نصحى.

وهنا صحيت من نومي مبتسما، وتذكرت حلم عبد الحسين عبد الرضا في احدى مسرحياته عندما قال رداً على زميله الذي أستنكر حلمه وحذره من البوح به لأنه حلم سياسي وهذا ممنوع، فقال له عبد الحسين (بو علوي) هذا حلم... حلم ياناس ممنوع نحلم بعد، وقررت ان أبوح بحلمي وأن اكتب هذا الحلم حسب ما اتذكره لانه أقرب الى الامنية والتوقع. أمنية مواطن في أن يٌحدث حاكما عربيا كصديق ويقدم له الرأي والنصحية، وتوقع من الشيخ صباح وكل حاكم عندما تؤل اليه أمور الحكم على أرض الواقع.