مستقبل الطفرة النفطية الثالثة - قراءة في الأسباب الجوهرية للطفرات النفطية
بدأت الطفرة النفطية الثالثة في أسعار النفط في عام 2002. ولم تكاد تصل إلى ذروتها حتى هاجمتها الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008 لتحد من اندفاعها, بل لتؤدي إلى تراجع أسعار النفط وتؤجل إلى حين الأسباب الجوهرية التي دعت إليها. وقبل أن نبداء الحديث عن الطفرات النفطية يحسن بنا أن نحدد المقصود من مصطلح الطفرة.
الطفرة في اللغة هي الوثبة. وفي لسان العرب, الطفرة وثبة في ارتفاع كما يطفر الإنسان حائطاً أي يثبه" ( ابن منظور المجلد الثاني : 597 ) ومرادفات ترجمة كلمة طفرة في اللغة الانجليزية كثيرة ومنها:Jump, upswing ,rise ,and upturn . والطفرة بهذا المعنى هي أمر واجب تحول دونه حواجز لابد من القفز عليها حتى يتم الوصول إلى الوضع الطبيعي
والطفرات في أسعار النفط التي شاهدناها في عام 1973 و 1979 ومنذ عام 2002 هي قفزات تلقائية مفاجئة كانت ضرورية, تبدأ في الأسعار الفورية وتتأكد في الأسعار الرسمية للنفط, ضد الكبت الذي مارسته الأخوات السبع ( شركات النفط السبع الكبرى) طوال السبعينيات لاستمرار أسعار النفط منخفضة, ومارسته بعد ذلك الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية مباشرة ( الكواري 1989: 115- 126) بعد ذلك حتى بدأت الطفرة الثالثة.
وفي كل هذه الحالات لم يعد سعر النفط السائد قبل كل طفرة يعكس الندرة النسبية للنفط في المدى المتوسط والبعيد ولا يرتبط بالتكاليف الحدية لإنتاج النفط من مكامن ومصادر جديدة, مطلوبا تطويرها لمواجهة الطلب العالمي على النفط. فقد أدى استمرار ذلك الكبت السياسي و الإداري للسعر, إلى التأثير على حوافز شركات النفط و الطاقة و على دوافع الدول المنتجة, وعطل جهود تطوير مصادر جديدة استجابة لنمو الطلب.
وإذا تحرينا الأسباب الجوهرية للطفرات النفطية نجدها تتمثل في عاملين رئيسيين:
أولا:استنفاذ الطاقة الإنتاجية
وذلك عندما يعجز عرض النفط عن تلبية احتياجات الطلب علية لمدة معتبرة, بسبب تلاشي الطاقة الإنتاجية الفائضة في الدول المصدرة للنفط. وهذا لا ينفي أن تكون هناك أسباب معجلة أو عوامل مشجعة للطفرات السعرية, مثل قرار المقاطعة العربية في عام 1973 والثورة الإيرانية في 1979 وتداعياتها. وربما تؤدي بعض هذه العوامل المعجلة في الصعود بالسعر إلى مستويات لا تعبر عن الأسباب الجوهرية والموضوعية, فيتم تعديل السعر إلى مستوى المتطلبات الجوهرية لارتفاعه.
ومثال ذلك التصحيح هو تراجع سعر برميل النفط من 147 دولار في تموز 2008 إلى مستوى 70 دولار في شهر أيلول/سبتمبر 2008. فقد كان الارتفاع إلى مستوى 147 دولار للبرميل يعبر عن النزع الأخيرة للمضاربات الشرهة التي سبقت انكشاف الأزمة المالية العالمية على نطاق واسع. أما ما تلي ذلك من انخفاض تحت مستوى70 دولار فإنه يعود إلى تراجع الطلب العالمي على النفط مؤقتا, بسبب بوادر الانكماش والكساد الاقتصادي في الدول الصناعية, واستخدام الدول المستهلكة لمخزونها التجاري وربما الاستراتيجي الضخم من النفط والذي بلغ مخزون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD منه 2.6 بليون برميل في نهاية 2007 (BP2008:16), وهذا المخزون من الناحية النظرية, يمكن هذه دول من الاستغناء عن استيراد خمسة ملاين برميل من صادرات دول الأوبك لمدة 500 يوم إن هي أرادت الضغط على السعر.
وغني عن القول بان الارتفاع الذي شهدته أسعار النفط منذ بداية الطفرة الثالثة, لم يكن مقتصرا على ارتفاع أسعار النفط, وإنما شمل كذلك أسعار مصادر الطاقة الأخرى كلها أيضا. فقد ارتفع سعر الفحم على سبيل المثال ـ وهو ثاني مصدر من مصادر الطاقة الأولية ( 28.6 % ) بعد النفط ـ من 36 دولار للطن في عام 2000 إلى 43 دولار للطن في 2004 والى 87 دولار للطن في عام 2007. ( BP2008 : 32 ).
ويلاحظ عند تتبعنا تاريخ أسعار النفط, أن أسعار النفط في عام 1961 التي هبطت على اثر تخفيض شركات النفط للأسعار مرتين في عامي 1959 و 1960, استمرت على حالها تقريباً حتى عام 1970. هذا بالرغم من أن منظمة الأوبك قد تأسست في سبتمبر عام 1960 (OPEC1974:P.iii) لحماية أسعار النفط وتعديلها, ولكنها لم تستطيع بسبب كبت شركات النفط ألكبري للسعر, حتى بلغت الطاقة الإنتاجية في دول الأوبك أقصاها وعجزت عن مواجهة النمو في الطلب العالمي على النفط في مطلع السبعينيات.
عندها طفرت الأسعار الفورية للنفط في مطلع السبعينيات قبل أن توافق شركات النفط على تعديلات طفيفة في الأسعار وصلت إلى 3.10 دولار عام 1973, قبل أن تقوم الأوبك منفردة بتحديد سعر نفطها لأول مرة في عام 1974وترفعه إلى 10.40 دولار للبرميل. وقد تم ذلك على اثر ارتفاع الأسعار الفورية التي عجلت بها حرب أكتوبر 1973والمقاطعة النفطية التي تلتها. ( أوابك 2008 : 58 ).
وبقيت الأسعار عند مستوى 13دولار أمريكي للبرميل هذا حتى لحقت الطفرة الثانية بالطفرة الأولى على اثر قيام الثورة الإيرانية وارتفاع الأسعار الفورية, فبلغ سعر البرميل 29.2 دولار أمريكي عام 1979 ووصل أعلى مستوى له عام 1980 وهو 36 دولار أمريكي للبرميل.( أوابك 2008 : 58 ).
وفي تقديري أن الطفرة الثانية هي استمرار للطفرة الأولى التي لم تأخذ مداها. وربما ذهبت الطفرة الثانية بالسعر إلى أكثر مما يجب, وبما لا يسمح المستهلكون به ولا تقدر الدول الأعضاء في الأوبك على الدفاع عنه, عندها انخفضت صادرات دول الأوبك في عام 1985 إلى النصف تقريباً, 15 مليون برميل بعد أن كانت 28 مليون برميل في عام 1978, فانهارت أسعار النفط نتيجة لذالك في عام 1986 إلى 13 دولار للبرميل وظلت دون العشرين دولار حتى عام 1999.
استمر التراجع في أسعار النفط منذ عام 1986 لحوالي 15عام, حتى بدأ الضغط على إنتاج الأوبك يتزايد مرة أخرى وطاقتها الإنتاجية الفائضة تتلاشى (FATTOH2006:1), فارتفع السعر عام 2000 إلى 27.6 واستمر دون 30 دولار حتى عام 2004 حيث أخذت الطفرة النفطية الثالثة تتصاعد عندما بلغ إنتاج أوبك أكثر من 34 مليون برميل يومياً,فوصل سعر برميل النفط إلى 36 دولار واستمر حتى بلغ متوسط أسعار سلة نفط الأوبك 69.10 دولار للبرميل في عام2007.( الأوابك : 2008: 58 ).
ثانيا: ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط من مكامن ومصادر جديدة
السبب العميق للطفرات النفطية يتمثل في ارتفاع التكاليف الحدية لإنتاج النفط من مكامن ومصادر بديلة للنفط التقليدي. وارتفاع سعر النفط هنا يصبح شرطا اقتصاديا لقيام المستثمرين بتطوير المكامن والمصادر والتقنيات الجديدة اللازمة لسد احتياجات الطلب العالمي المتزايد على النفط من مصادر جديدة غير تقليدية.
وجديرٌ بالتأكيد أن مستوى أسعار النفط عندما تصل مصادر الإنتاج التقليدية الراهنة للنفط إلى طاقتها القصوى في المدى المتوسط و البعيد بسبب الطبيعة الناضبة للنفط, سوف تتوقف على التكلفة الحدية للمكامن والمصادر الجديدة للطاقة بشكل عام والنفط بشكل خاص
إن النفط ـ الزيت والغاز ـ له استخدامات خاصة لا تنافسه فيها حتى ألان مصادر الطاقة الأخرى. و أهم هذه الاستخدامات مجالان أولهما: وقود سائر وسائل المواصلات وثانيهما: الصناعات البتر وكيماوية. والمنافس للنفط التقليدية في هذان المجالان, هو النفط نفسه والذي يمكن الحصول عليه وعلى مشتقاته من أربعة مصادر رئيسية غير تقليدية:
أولها: إنتاج النفط من المحيطات والبحار العميقة
ومثال ذلك سواحل الولايات المتحدة. وتقدر إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة(EIA) في عام 2006, تكاليف استكشاف وتطوير وتجهيز هذه الاحتياطيات بمبلغ 63.71 دولار أمريكي للبرميل, يضاف إليها تكاليف الإنتاج المباشرة المقدر بمبلغ 6.83 دولار أمريكي للبرميل( EIA2008:1). وبذلك فإن إنتاج النفط من المياه العميقة في سواحل الولايات المتحدة قد تم تقدير إجمالي تكلفته في عام 2006 بمبلغ 70.54 دولار للبرميل, وكما يبدو فإن ارتفاع تكاليف الاستكشاف والتطوير والتجهيز في أعماق البحار سوف تتطلب استثمارات ضخمة تقدر بمبلغ 63 دولار للبرميل, في سواحل الولايات المتحدة.
أما تكاليف الإنتاج المقدرة للمشاريع المخطط لها لإنتاج النفط من المحيطات والمياه العميقة الأخرى, فإنها تتراوح بين 30-35 دولار في خليج المكسيك, 40-45 دولار في بحر الشمال, 60-65 دولار في أعماق البحار في سواحل البرازيل و65 – 75 في أعماق البحار في غرب أفريقيا( المنيف 2008 :11).
ولذلك فإنه من المحتمل في ظل تراجع أسعار النفط أن يؤجل الإنتاج من المحيطات والمياه العميقة إذا اضطرت الدول المصدرة للنفط أن تبيع نفطها بأسعار تقل عن 70 دولار, وسمحت الدول المصدرة للنفط لشركات النفط العالمية تحت ضغط الحكومات المستهلكة, أن تعود إلى نشاطات إنتاج النفط فيها و إلى استنزاف احتياطيات النفط من الدول المصدرة وبيعها بأسعار اقل من أسعار البدائل, قبل أن تضطر الدول المستهلكة إلى إنتاج النفط من أعماق البحار ومن المصادر البديلة للنفط. وقد بدأت فعلاً عودة شركات النفط العالمية في البحرين و قطر والعراق ودول أخرى, وهناك صراع حول عودتها إلى الكويت بفضل وجود مجلس ألأمة. وذلك بعد أن تم في السبعينيات تأميم النفط أو امتلاك الدول فيه لحصة الشركات الأجنبية بالتراضي.
ثانيها:استخلاص الزيت من القار الرملي Sand Oil
الزيت الرملي هو خليط من الطين والرمل والماء والإسفلت وهو من حيث دورة الحياة لم يصبح نفطاً مستويا بعد, ويتطلب معالجة حرارية. و يوجد الزيت الرملي في مناطق عديدة ولكنه ينتج في الوقت الحاضر بشكل رئيسي في ولاية البرتا بكندا حيث بلغ إنتاجها عام 2005( 760 ) ألف برميل يومياً أي ما يقارب إنتاج قطر من الزيت. ومنذ عام 2006 تزايد الإنتاج إلى 1.1 مليون برميل يومياً وهذا يساهم بنسبة 47% من الزيت المنتج في كندا ( Wikipedia: 2008: p.7).
ويقدر احتياطي زيت القار الرملي في العالم في عام 2007 بأكثر من 2 تريليون برميل (EIS Information Center 2008 : 1). وفي البرتا بكندا حيث توجد معظم احتياطيات زيت القار الرملي, تقدر حكومة البرتا الاحتياطات التي يمكن استخلاصها عند مستويات 62 دولار لبرميل النفط السائد عام 2006, بحوالي 173 بليون برميل وهذا يساوى10% من احتياطيات ولاية البرتا البالغة1.7 تريلون برميل. ومن باب المقارنة فإن ذلك يعادل ثلثي الاحتياطي المؤكد من النفط في المملكة العربية عام 2007 البالغ 264 بليون برميل ( BP2008:6 ).
وجديرٌ بالذكر أن تقدير تكلفة استخلاص الإنتاج الجديد من ولاية البرتا بكندا في عام 2006 تتراوح بين 36- 40 دولار كندي للبرميل.(Wikipedia 2006 ) وفي عام 2008 تم تقدير تكلفة إنتاج المشاريع المخطط لها في كندا بين 65 – 70 دولار ( المنيف 2008 ).
ثالثها:الزيت الحجري Shale Oil
استخلاص الزيت من احتياطيات الزيت الحجري Shale Oil أصعب نسبيا من استخلاصه من القار الرملي Sand Oil ولذلك تأخر تطوير هذه الاحتياطيات في ظل أسعار النفط المنخفضة عن التكلفة الحدية لاستخراج الزيت الحجري. وفي عام 2006 كان الإنتاج محدوداً جداً حيث تنتج استونيا خمسة ألاف برميل يومياً والصين اقل من ألفي برميل يومياً وهناك تجارب ناجحة لاستخلاص الزيت الحجري في الولايات المتحدة.
وتختلف تقديرات احتياطيات الزيت الحجري باختلاف الفروض. وتقدر مؤسسة رند RAND احتياطيات العالم بحوالي 2.5 تريليون برميل من الزيت الحجري منها 2 تريليون في الولايات المتحدة. ولذلك تقدر مؤسسة رند أن ما يمكن إنتاجه في ضوء التقنيات المتاحة ونسبة الاستخلاص في الولايات المتحدة يتراوح بين. 0.5 – 1 تريليون برميل (Grunewald 2006 ). و هذا يعادل 40% - 80 % من إجمال احتياطيات الزيت المؤكد في العالم البالغة 1.2 تريليون برميل ( BP2008:6).
وتقدر دراسة مؤسسة رند أن معمل ينتج 100 ألف برميل زيت يومياً من خام الزيت الحجري في الولايات المتحدة يحتاج إلى محطة كهرباء خاصة به تنتج 1.2 جيجا وات. وهذا يساوي إنتاج مفاعل كنكت الذري الذي ينتج كهرباء تكفي أكثر من 900 ألف مستهلك يومياً(Grunewald2006: 6 ).
و في ختام دراستها ترى مؤسسة رند في ضوء التكاليف المرتفعة لاستخلاص الزيت الحجر وحسب التقنيات المعروفة لاستخلاصه, أن معملاً ينتج 50 ألف برميل يومياً في الولايات المتحدة يمكن أن يكون مربحاً عندما تكون أسعار النفط بين 70 – 95 دولار للبرميل.
رابعها: الوقود الحيوي Biofuel
الوقود الحيوي هو الإيثانول النباتي والديزل الحيوي. ويتم تصنيعهما من المحاصيل والنباتات الزراعية,مثل قصب السكر وفول الصويا ووزيت النارجيل والذرة والقمح وشمندر السكر وعباد الشمس وغيرها. والبرازيل هي منتج رئيسي وكذلك الولايات وتأتي السوق الأوربية في المرتبة الثالثة وبعدها الصين. وينتج الوقود الحيوي في البلاد الاستوائية مثل الهند واندونيسيا وماليزيا وتايلاند من محاصيل استوائية .
وهذه النباتات الزيتية والمخلفات هي المصدر الرئيسي لإنتاج الوقود الحيوي في عام 2007 وتسمي بالجيل الأول. وهناك في الوقت الراهن أبحاث وتجارب وإنتاج محدود من الوقود الحيوي من السيليوز الذي يمكن الحصول عليه من سيقان النباتات ومن الحشائش التي لا تصلح للغذاء الآدمي, وهذا هو الجيل الثاني وميزاته انه لا ينافس الإنسان على غذائه وان كان ينافس على استخدام الأراضي المتاحة للزراعة.
إنتاج العالم كله من الوقود الحيوي لا يتعدى في عام 2007 ما يساوى من حيث الكمية مليون برميل زيت يومياً. وهذا حوالي إنتاج قطر من الزيت عام 2007, ولا يتعدى 1.2% من إنتاج العالم من الزيت في نفس العام .
وفي عام 2007, أثار عنوان دراسة صادرة عن دائرة مستديرة عقدتها منظمة التنمية والتعاون OECD, سؤالاً يحمل اعتراضا على تفاؤل المتفائلين بمستقبل الوقود الحيوي في ضوء تصاعد أسعار النفط, يقول العنوان " الوقود الحيوي: هل العلاج أسوأ من المرض " مشيرة بذلك إلى التكلفة المجتمعية لإنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية. وخلصت الدراسة إلى أن الوقود الحيوي يمكن أن يكون مصدراً من مصادر الطاقة في المستقبل, ولكن حتى الدارسات المتفائلة تقول انه في عام 2050 لن يساهم الوقود الحيوي بأكثر من 13% من الوقود السائل( Honnens 2007:1 ).
وتلخص أيضا دراسة نشرتها وزارة ألزراعه في الولايات المتحدة وضع الوقود الحيوي في عام 2007 في ثلاث مؤشرات ـ أولها: أن إنتاج العالم من الوقود الحيوي زاد ثلاثة إضعاف في الفترة من 2000 ـ 2007 , ولكن مازالت مساهمته في وقود وسائل المواصلات اقل من 3% . ثانيها: ارتفاع إنتاج الوقود الحيوي ساهم في ارتفاع أسعار الغذاء والأعلاف. ثالثها: الوقود الحيوي يمكن أن يكون جزء من حل مسألة ارتفاع أسعار مصادر الطاقة إلى جانب ترشيد استخدام الطاقة وتطوير مصادر بديله للوقود, دون أن يكون بديلا رئيساً لأي منهما(Coyle2007: pp.1-3).
وفي عام 2007 ترى دراسة OECD التي سبق الإشارة إليها, انه فيما عدا البرازيل, حيث كانت تكلفة الإنتاج (47.7 دولار أمريكي للبرميل ). (Honnens 2007:6), فإن الوقود الحيوي لا يمكن أن يكون منافساً لغيره من الوقود السائل إذا كان سعر النفط اقل من 70 دولار.
وفي الولايات المتحدة تقدر تكلفة إنتاج الايثانول من ألذره عام 2006 بمبلغ 1.65 دولار للجالون ( 69.30 دولار للبرميل ). أما تكلفة إنتاج الايثانول من السيليولوز المصنع من الحشائش وسيقان الشجر أو ما يسمى بالجيل الثاني فإن تكلفة إنتاجه تقدر في عام 2006 بأكثر من 2.5 دولار للجالون ( 105 دولار للبرميل ) (Coyle2006 : 6 ).
وفي خضم الجدل المحتدم حول مستقبل إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الأول,ترى دراسة OECD أن مستقبل إنتاج الوقود الحيوي يتوقف على إنتاج الجيل الثاني منه القائم على استخلاص السيليولوز من الحشائش وسيقان الشجر. و في عام 2007 تبدو تكاليف إنتاج الوقود الحيوي من الجيل الثاني مرتفعه حسب دراسة OECD, وتصل إلى دولار للتر أو ما يساوي 159 دولار للبرميل(Honnens 2007 : 3 )
خلاصة وخاتمة
بدأت الطفرة النفطية الثالثة مثلما بدأت الطفرات النفطية السابقة عليها, عندما تلاشت الطاقة الإنتاجية الفائضة لدى الدول ألمصدره للنفط نتيجة لضغط الطلب العالمي عليها بسبب انخفاض أسعار النفط الجارية عن مستوى التكاليف الحدية للمكامن والمصادر البديلة,والتي كان من اللازم تطويرها في وقت مبكر, لسد احتياجات الطلب العالمي على النفط.
وجديرٌ بالتأكيد أن الطفرة النفطية الثالثة طفرة حقيقية وسوف تعاود عملها بعد حين, هذا وان ساهمت عمليات المضاربة في النفط قبل الأزمة المالية العالمية بفترة قصيرة, إلى دفع الأسعار إلى 147 دولا وهو أعلى مما توجبه الأسباب الجوهرية للطفرة النفطية.
فقد بدأت الطفرة النفطية الثالثة تأخذ مسارها منذ عام 2002 وأدى ذلك إلى ارتفاع مستمر دون انقطاع في متوسطات أسعار النفط حتى منتصف عام 2008. وربما تكون هذه الفترة المستمرة لتصاعد أسعار النفط ونمو متوسطات المؤشرات المالية المرتبطة بصادراته هي أطول فترات الارتفاع في تاريخ صناعة النفط (BP2008:16 ).
وإن دل هذا على شيء, فإنما يدل على بروز متغيرات جوهرية أخذت تذكر العالم النهم, بأن النفط ثروة ناضبة,وان العالم أدمن على استخدامها بسبب رخص أسعار النفط, فأصبح النفط جزء من كل شيء حولنا, ونعتمد عليه في كل مجالات الإنتاج وأوجه الاستهلاك عامة (NewScientist2008:PP5-6&32-37). ولأن النفط ثروة ناضبة أصبح على العالم واجب تطوير بدائل النفط بتكاليف مرتفعه من مكامن ومصادر جديدة. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة وتكاليف إنتاج مرتفعة تفوق أسعار النفط السائدة قبل الطفرة بأضعاف, ويتطلب بالتالي ارتفاع أسعار النفط.
فقدا بلغت تكاليف إنتاج النفط الإضافي من المكامن والمصادر البديلة التي يجرى تطويرها في الوقت الراهن إلى حوالي 65 دولار للبرميل من زيت القار الرملي في كندا, وأكثر من 70 دولار لإنتاج النفط من سواحل الولايات المتحدة ومالا يقل عن 70 دولار لإنتاج الزيت من الوقود الحيوي وأكثر من 70 دولار للبرميل من الزيت الصخري. وبالنسبة لإنتاج الوقود الحيوي من سيقان الشجر والحشائش ـ الجيل الثاني ـ فإن تكاليف إنتاجها تقدر بين 105-159 دولار للبرميل. كما تجلت تلك المتغيرات الجوهرية عندما وصل إنتاج العالم من النفط طاقته القصوى.
ويبقى مصدر التهديد الحقيقي لصادرات الأوبك في المدى القصير ( 1-3 سنوات) هو استخدام الدول المستهلكة لمخزونها الاستراتيجي في الضغط على أسعار النفط لتبقى تحت السبعين دولار للبرميل. وبذلك يتم كسر الإرادة الهشة لدول الأوبك ودفعها للإنتاج بأقصى طاقتها الإنتاجية بدل تخفيض الإنتاج من اجل خلق توازن بين العرض والطلب عند مستوى 70 دولار. وربما يؤدي ذلك أيضا إلى فتح الباب واسعا لشركات النفط الأجنبية للاستثمار المباشر في إنتاج النفط في الدول المصدرة بعد أن تم تأميم أو شراء امتيازاتها المجحفة في عقد السبعينيات من القرن العشرين.
ولذلك فإن مستوى 70 دولار أمريكي للبرميل حسب تقديري سوف يعود حالما يتراجع الانكماش. وربما تواصل الطفرة النفطية مسارها إلى مستوى أكثر من 90 دولار عندما يبدأ انتعاش الاقتصاد العالمي بعد 3-5 سنوات. ويعود ذلك إلى حقيقة ارتفاع التكاليف الحدية للمكامن والمصادر البديلة لإنتاج النفط والتي تتراوح بين 65 دولار 150دولار للبرميل.
ومن هنا يجب أن لا تخدعنا اللحظة الراهنة وتثير الفزع في نفوسنا, فما زال النفط ثروة لها قيمة وهي في مكامنها وتقدر هذه القيمة في الوقت الحاضر بحوالي 60 دولار للبرميل, وعلينا أن لا نفرط فيها ونندفع إلى بيع النفط بأسعار متدنية عن التكاليف الحدية لبدائله أو نعيد ملكية الاحتياطيات النفطية إلى الشركات الأجنبية في موجة امتيازات جديدة. بل علينا أن نحقق الاستفادة القصوى من الثروة النفطية بإخضاع أمر إنتاجها وتصديرها لاعتبارات التنمية, وان نحصل على القيمة الاقتصادية للنفط ومن ريعه , ولا ننسى أن علينا واجب تجاه الأجيال القادمة يتطلب منا بناء قاعدة اقتصادية بديلة للاعتماد على النفط.
-----------------------------------------------------------------------------
المراجع
الكواري 1989
علي خليفة الكوراي, إستراتيجية وكالة الطاقة الدولية: قرأه أولية في أسباب الأوضاع النفطية الراهنة وأسباب استمرارها, مجلة المستقبل العربي, العدد 127, سبتمبر 1989.
أوابك 2008
منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول, تقرير الأمين العام السنوي, الرابع والثلاثون, 2007, الكويت.
المنيف 2008
ماجد المنيف, تداعيات الطفرة المالية والاقتصادية العالمية على سوق النفط واقتصاد المملكة العربية السعودية, ورقة قدمت في منتدى الأمير عبد الرحمن احمد السديري, الجوف نوفمبر 2008,غير منشوره
BP2008:
British Petroleum, Stalistical Review of World Energy London June 2008
OPEC 1974
OPEC , annual statistied bulletin 1973, wien , june 1974
Fattoh 2006
Bassam fattoh , spare capacity and oil price dynamics , Middle East Economic Survey , vol xlix 30 January 2006
Grunewald 2006
Elliot Grunewald , Oil Shale and the Environmental Cost of Production , Submitted to gp 200a , jun 206
EIA 2008
Energy Information Administration, Crud Oil Production, 27 /11/208
http://www.eia.doe.gov/neic/infosheets/crudeproduction.html
Wikipedia2008
Wikipidia,Athabascon Oil Sand,
http://en.wikipedia.org/wiki/Athabasca_oil_sands
EIS Information Center2008
Oil Shale And Tar Sands Programatic EIS,
http://ostseis.anl.gov/guide/tarsands/index.cfm
Coyle 2007
Willam Coyle, The Future of Bioful: A Global Pesspectiue, Amber ware, US Dept .of Agriculture, Nov.2007.
http://www.ers.usda.gov/Amber Waves/Scripts/print.asp?page=/November07/Features…
Honnens 2007
Hilke Honnes (Summarized by)
Bioful: Is the cure worse than the disease, OECD round table –
Bespacific.com
Http//: www.bespecific.com/mt/archives/109814.html
New Scientist 2008Withdrawal Symptoms, 28 June 2008, www.neascientist.com