رحم الله ناصر المسند الرجل الرمز
رحم الله الأخ الكبير والقدوة الوطنية ناصر المسند وأسكنه الله فسيح جناته , وألهم أهله وذويه وكل من يعزه ويعز عليه وأهل قطر الكرام كافة , الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون . لقد كان الرجل رمزاً وطنياً ووجهاً مشرفاً من وجوه المعارضة الشعبية من أجل المساواة والكرامة وبناء دولة عصرية فى قطر .
تكبد ناصر بسبب دفاعه عن حقوق أهل قطر التضييق والسجن واضطر إلى الهجرة عام 1964 إلى الكويت يصحبه حوالي خُمْسِ أهل قطر, تعبيراً عن مكانة الرجل ومستوى التضامن مع ما يمثله من معارضة ومطالبة.
ومن حق الرجل علينا بعد أن أدينا العزاء رجالاً ونساء بما يليق به , أن نذكر بعض ما نعرفه عن ناصر ودوره الرائد والفعّال فى الدفاع عن حقوق أهل قطر وكرامتهم .
فى عام 1958 إلتقيت أنا و زملائي طلاب قطر فى القاهرة بناصر لأول مره . وكان يصحبه في الزيارة المرحومان عبد العزيز بن عبد الله المهندي و يوسف بن راشد المهندي على ما أذكر , واستمعت منه في ذلك الوقت المبكر إلى دعوتة لكبار أهل قطر ومنهم والده وخليفة بن ناصر ( طوار ) وآخرين لا أذكرهم, لئن يقوموا بواجبهم وأن يفاتحوا الحاكم ويصارحونه مطالبين بحقوق أهل قطر والمساواة بينهم فى الحقوق والواجبات عامة وفي الانتفاع من عائدات النفط على وجه الخصوص . كما يطالبون الحاكم بتطبيق إصلاحات إقتصادية وإجتماعية والمساواة أمام المحاكم وفي القانون ووقف خطر الهجرة وضبط عملية التجنيس, أسوةً بما حققتة حكومة الكويت وما تقدمه لمواطنيها في ذلك الوقت من رعاية وحماية وخدمات إجتماعية ومساواة أمام القانون والمحاكم .
ومنذ ذلك الوقت إستمر ناصر وعدد من رجالات قطر الكرام يدعون للإصلاح ويتضامنون مع الحركة العمالية والطلابية برغم كونهم من الأعيان ومن التجار والمقاولين الكبار . وقد تحقق بشكل- مباشر وغير مباشر - استجابة لمطالبهم الكثير من الإصلاح التشريعي , وقدمت خدمات إجتماعية من تعليم وصحة وإسكان ومساعدات إجتماعية على نمط الكويت. كما أنشأت بلدية قطر, وطبق قانون المرور على الجميع وتم تفعيل غرفة التجارة حيث عين ناصر المسند وعدد من رجالات قطر فى مجلس إدارة الغرفه, وكان هناك إتجاهاً لإنتخاب مجلس بلدي وإقامة مجلس شورى . وتحقق للحركة العمالية الكثير من مطالبها فصدر قانون العمل وأقيمت إدارة العمل ومحكمة العمل, وتم الإعتراف باللجان العماليه للعاملين فى شركات البترول .
وقد بلغت حركة المطالبة الشعبيه أوجها فى أبريل / نيسان 1963 م على أثر إطلاق الرصاص على مظاهرة مؤيده للوحدة الثلاثية ( 20/4/1963 ) وذلك عندما عم الإضراب العام وقدمت عريضة شعبية بمطالب أهل قطر , تصدرها توقيع كل من حمد العطيه و ناصر المسند رحمهما الله وعدد كبير من رجالات قطر الكرام الذين لا يتسع المقام لذكر أسمائهم .
من المفارقات التى تستحق الذكر وتوجب العبرة , أن حكومة قطر قامت بإعتقال الموقعين على عريضة الإصلاح وعلى رأسهم حمد العطيه و ناصر المسند وأتبعتهم بسجن وإبعاد كل من أيدهم حتى بلغوا حوالي خمسين شخصيه من الوجهاء والتجار خلال النصف الثانى من أبريل / نيسان 1963م. هذا بالإضافة إلى فصل عدد من العمال والطلاب والشباب عامة .
وفى نفس الوقت بتاريخ 28/4/1963 أذاع الحاكم بياناً على الشعب القطرى ذكر فيه " أن الوقت قد حان لبدء الخطوات التنظيمية لمنهج العمل الشامل ... لإقامة صرح ... المجتمع الرفيع ... مجتمع العدالة والمساواة والنظام والإنتاج " . وبعد شهر منه فى 27/5/1963م أصدر الحاكم بيان إيضاحي لمنهج العمل الشامل لتقدم البلاد , نشر في الجريدة الرسمية العدد (3 ) بتاريخ 3/6/1963م ( أنظر أيضاُ : إدارة الشئون القانونية , مجموعة قوانين قطر حتى عام 1966 , ص 614- 619 ) .
والمفارقة هنا أنه بينما تزايد عدد المعتقلين وبدأ الإبعاد والفصل للمطالبين بالإصلاح , جاء البيان الإيضاحي رداً مباشراً على عريضة المطالب الشعبية التى كان على رأس الموقعين عليها ناصر المسند وحمد العطيه . بل إن البيان الإيضاحي قد لخص فى وعوده مطالب أهل قطر منذ مطلع الخمسينيات حتى عام 1963م . فقد أكد البيان فى مطلعه على أنه " منذ أتيحت لنا الإمكانيات الماديه بفضل دخل الزيت , قد حققنا فعلاً صوراً من المساواة بين المواطنين وأنماطاً من العدالة الاجتماعية يفخر بها أي بلد " .
ويعددٌ البيان الخدمات والتشريعات والمؤسسات التى أنشئت والتى سوف تنشئ لتحقيق الإصلاح الشامل ومنها تخفيض أسعار الكهرباء و تنظيم العلاج بالخارج و ضبط " إنفاق أموال الدولة في الحدود المعقولة المقررة في الوجوه التي خصصت لها هذه الأموال " .
ويتحدث البيان عن المساواة وعن " إشراك ممثلي طوائف الشعب المختلفه فى دراسة الشئون العامة , والمداولة حول خير الوسائل لمعالجتها " ويشير البيان إلى إنتخابات مجلس بلدي - وهو بالمناسبة مطلب لم يتحقق منذ عام 1955م عندما أصدر المستشار الإنجليزي " دستور بلدية الدوحه " ، وإنشاء مجلس أعلى يمثل أهل الرأي في البلاد.
كل هذه الوعود وبعض الإصلاحات جاءت بفضل مطالبة ناصر المسند ورجالات قطر الكرام , هذا بينما هم يكابدون فى السجن ويتعرضون للإبعاد والتضييق . ولكن تلك هى سنة الحياه عندما يصحى ضمير رجالات أي بلد ويتحملون مسؤوليتهم الوطنية ، غير عابئين بمصالحهم الشخصية . إنها ضريبة الوعي وصحوة الضمير يدفعها من هم على مستوى المسؤولية وممن يتواصون بالحق وبالصبر .
وقد كان للأخ الكبير ناصر المسند ورفاقه من رجالات قطر فضل السبق في تحمل المسؤولية وكان عليهم تكبد المعاناة التي تبين لنا معادن الرجال. إننا اليوم ننعم ببعض نتائج الحركه الوطنية في الخمسينيات والستينيات وندين لناصر المسند بالجميل على ما قدمه من تضحيةٍ وما تعرض له من تضييق وسجن حتى أصبح آخر المسجونين فى عام 1964م , بعد أن توفى رفيقه حمد العطيه فى السجن رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، بقى ناصر وحيداً فى سجنه مما أضطر قبيلة المهاندة الكرام وأهل الخور والذخيرة كلهم إلى أن يهاجروا مع ناصر المسند إلى الكويت عام 1964م بعد ان تعذر إطلاق سراحه أو تقديمه إلى محاكمة عادلة .
رحم الله ناصر بن عبد الله المسند الذي غيّبه المرض عن الساحة الوطنية ربع قرن حتى إختاره الله إلى جواره منذ أيام , وجعل من المعنى العظيم الذي تركه لنا قيمة إنسانية وتراث وطني نعض عليه بالنواجذ في وقت نحتاج فيه أن نعمل بما نعرف إنه الحق وأن نقدم المصلحة العامة على إعتباراتنا الشخصيه .