خــاب الـرجـاء ... ودوام الحـال مـن المحــال

(1) خــاب الـرجـاء

خاب الرجاء في موسم الرجاء. وموسم الرجاء في الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو الأشهر الأخيرة من كل عام. فتلك هي الفترة التي تسبق انعقاد المجلس الأعلى حيث يلتقي حكام دول مجلس التعاون في قمتهم السنوية. وفي هذه الفترة درج طيبوا النية ... قليلوا الحيلة ... من المدركين لضرورات الإصلاح ... والواثقين من إمكانية تحقيقه لو توفرت الإرادة السياسية ... درجوا على بث همومهم والتعبير عن مخاوفهم وطرح أمنياتهم عبر المتاح من وسائل الأعلام التي اعتادت أن تنشط هي الأخرى في هذا الموسم.

وأنا مثل الكثيرين غيري ممن لا تتيح لهم أطر العمل الرسمية والحكومية المشاركة في الرأي أو التأثير على القرارات المصيرية، اعتدنا أن نستفيد من موسم الرجاء هذا. فكنا نبث همومنا ونعرض ما يمكن عرضه عبر وسائل الأعلام.

كنا نؤكد على ضرورة الالتفات إلى الإصلاح الشامل. وكنا نؤكد على خطورة الخلل السكاني وضرورة إصلاحه. كما كنا نرى أن سرعة تحول مجلس التعاون إلى اتحاد فدرالي وإقامة ديمقراطية دستورية هما الضمانة الأكيدة والوحيدة لتوفير الحد الأدنى من مقومات الأمن الإقليمي في إطار الأمن القومي العربي، وإتاحة الحد الأدنى من متطلبات التنمية الشاملة المعتمدة على الذات في إطار التكامل مع بقية الأقطار العربية.

وقد كانت لنا مساهمات عملية متواضعة في هذا الشأن. تمت إحداها بالتعاون بين عدد فاق المئة من المهتمين بتطوير مجلس التعاون إلى كيان إقليمي فدرالي دستوري. وقد انطلقت تلك المساهمة من الاتجاه الذي دعت إليه ورقة العمل الخليجي الموحد، وأشارت إليه الاتفاقية الاقتصادية، وحدده النظام الأساسي الذي اعتبر أن مجلس التعاون جاء "استكمالا لما بدأته دولة من جهود في مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعوبها وتحقق طموحاتهم نحو مستقبل افضل وصولا إلى وحدة دولها". وجاءت تلك المساهمة تلبية لرغبة الأمانة العامة لمجلس التعاون، بناء على قرار لجنة التخطيط الاقتصادي والاجتماعي المكونة من وزراء التخطيط في اجتماعهم الأول في البحرين عام 1981م. وتبلورت تلك المساهمة في "مشروع الملامح العامة لاستراتيجية التنمية والتكامل" الذي قام بوضعه فريق عمل برئاسة الدكتور على فخرو وتبناه الاجتماع الثاني للندوة المكلفة من قبل الأمانة العامة بإقرار المشروع في اجتماع عقد بالبحرين ايضا في مطلع عام 1984م، ومما يؤسف له حقا، أن محاولتنا الجادة والمسئولة تلك، قد باءت بالفشل، عندما رفض وزراء التخطيط قبول المشروع في اجتماع عقدوه في الرياض، ورفضوا أن يرفعوه إلى المجلس الوزاري أو المجلس الأعلى للنظر فيه. وكان سبب الاعتراض والرفض هو ما جاء في الاستراتيجية حول متطلبات التنفيذ وعلى الأخص ما يتعلق بضرورة قيام كيان فدرالي، يتيح المشاركة السياسية الفعالة لابناء المنطقة. وبعد أن تم وأد تلك المحاولة بكل قسوة في مهدها، رأيت من المناسب أن أنشر الدراسة الموسعة التي قمت بإعدادها  لفريق العمل على مسئوليتي، تحت عنوان "نحو استراتيجية بديلة للتنمية الشاملة" قام مركز دراسات الوحدة العربية مشكوراً بنشرها بعد أن تعذر نشرها في دول المجلس.

ومنذ ذلك الحين أستمر دعاة الإصلاح في طرح التصورات البديلة لمسيرة المجلس التي ضلت طريق الوصول إلى وحدة دوله، وابتعدت كثيرا عن سبل المشاركة السياسية الفعالة، خاصة بعد أن حل مجلس الأمة في الكويت عام 1986م. فتم وضع استراتيجية ثقافية بديلة واستراتيجية صناعية بديلة. وتوالت الندوات والاجتماعات، وعلى الأخص الاجتماعات السنوية التي عقدها منتدى التنمية. واستمرت أدبيات التنمية في المنطقة تصرخ بالمشكلات وتبرز مدى عجز مسيرة المجلس عن توفير الأمن أو تحقيق التنمية، اللتين تتطلبان بالضرورة التقدم على طريق الديمقراطية الدستورية والشورى الملزمة وانتقال مجلس التعاون إلى كيان إقليمي فدرالي دستوري، بدل بقائه منظمة دولية إقليمية غير ذات فاعلية نتيجة غموض دورها وانعدام وظيفتها.

وقد كانت مناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس مجلس التعاون فرصة رأى منتدى التنمية أن يستفاد منها في تقييم مسيرة المجلس والدعوة إلى ضرورة انتقاله إلى كيان إقليمي فدرالي دستوري. فخصص المنتدى اجتماعه السنوي الحادي عشر المنعقد في البحرين في مطلع عام 1990م، لتقييم مسيرة مجلس التعاون. ودعا المنتدى الأمين العام للمجلس وعدد من المهتمين بمسيرة المجلس إلى الاجتماع إضافة إلى أعضائه.    

وقد كان الأمين العام صادقاً بقدر ما هو جريء عندما رد على النقد اللاذع الذي وجهه الحاضرون إلى المجلس، منطلقين في نقدهم ذلك من تقييم مسيرة المجلس على أساس نصوص النظام الأساسي وورقة العمل الخليجي والاتفاقية الاقتصادية، وفي ضوء القضايا المصيرية والتحديات التي تتصاعد دعوات أبناء المنطقة إلى مواجهتها. أجاب الأمين العام إجابة أدهشت المجتمعين بصراحتها بقدر ما أظهرت حقيقة مرة تعبر عن واقع الحال في اجتماعات المجلس الأعلى. قال الأمين العام ما معناه ... ان اجتماعات المجلس الأعلى لا تتناول القضايا التي تطرحونها، وجدول أعمال القمة السنوية لا يتضمن هذه القضايا "كل هذه القضايا تعبر بطاطا حارة" يتعذر طرحها للمناقشة في اجتماعات المجلس الأعلى. وأضاف ما معناه ... علينا أن نفهم أن مجلس التعاون "إطار للمستقبل" أما الوقت الحاضر فان بناءه وطبيعة العلاقات بين أطرافه لا يسمحان بطرح القضايا التي تلومون المجلس على عدم إيجاد حلول لها. وقد كان معاني الأمن العام خير دليل على بعد الهوة بين ما يطرحه طيبوا النية ... قليلوا الحيلة ... من دعاة الإصلاح في المنطقة في كل موسم رجاء  وبين ما يتناوله الاجتماع السنوي للقمة موضع الرجاء، والمركز الوحيد لاتخاذ القرارات المصيرية.

******

وبحلول عام 1990م، وانقضاء عقد على تأسيس مجلس التعاون أدرك دعاة الإصلاح أن رجاءهم قد خاب. وتبين لهم أن مسيرة المجلس ليست قاصدة هدف الوصول إلى وحدة دوله. كما تأكد لهم أيضا ابتعاد حكومات المنطقة عن مسيرة الديمقراطية الدستورية خاصة عندما استبدلت حكومة الكويت مجلس الأمة بالمجلس الوطني، وبالرغم من الاعتراضات الدستورية والرفض الشعبي لقيامه. وأصبح عجز مجلس التعاون عن توفير مقومات الأمن الإقليمي ومتطلبات التنمية الشاملة واضحا لكل مراقب. وبذلك تأكد أن مسيرة مجلس التعاون ضلت هديها وابتعدت عن الوحدة الفدرالية والديمقراطية الدستورية. وجاء غزو الكويت ليؤكد عجز كل دولة من دول المجلس عن حماية وجودها، بل يؤكد فشل المجلس في توفير مقومات الأمن الإقليمي للدول الأعضاء فيه.

وبالرغم من ذلك، وربما نتيجة ذلك العجز والفشل الذي أسفرت عنه كارثة احتلال الكويت ومحنة شعبها وتعريض المنطقة لزلزال حرب الخليج المدمرة، تجددت الآمال التي أحبطتها مسيرة مجلس التعاون عبر عقد من عمره. وظن أبناء المنطقة أن دولهم أصبحت اكثر وعيا بالمخاطر والتحديات وأكثر إدراكا لمتطلبات مواجهتها في المستقبل. وكان مبعث الأمل ومصدر الرجاء الذي تصاعد خلال ما تبقى من عام 1990م، وطيلة عام 1991م، هو مؤتمر جدة الذي أخذت فيه حكومة الكويت عهداً على نفسها بالعودة للعمل بدستور 1962م، فضلا عما أدت إليه الكارثة من مظاهر الوحدة في المنطقة. لقد تفاءل أبناء المنطقة بمظاهر الوحدة واعتبروا الوعد الذي قطعته حكومة الكويت على نفسها وعدا من حكومات المنطقة لشعوبها بفتح مسارات التحول الديمقراطي. وتصاعدت نتيجة ذلك، مرة أخرى، الدعوة إلى الوحدة الفدرالية والشورى الملزمة والديمقراطية الدستورية. وكانت المطالبة هذه المرة أكثر إلحاحا من سابقتها واوسع قاعدة. أخذت شكل عرائض وجماعات ضغط ومؤتمرات وندوات ذات طابع سياسي، إضافة إلى المعتاد من المقالات الصحفية والمقابلات التلفزيونية ، التي أصبحت اكثر وضوحا في طرح ضرورات الوحدة الفدرالية، وأكثر إلحاحا في المطالبة بالديمقراطية، واكثر تأكيدا على ضرورة الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

وانتظرت الشعوب، بفارغ الصبر اجتماعات المجلس الأعلى لدول الخليج العربية على أمل أن يصحح قادة دول المجلس مسيرته، باتجاه الوصول إلى وحدة دولة، وفتح مسارات سالكة لعملية التحول الديمقراطي. وجاء اجتماع الدوحة في نهاية عام 1990م، ولحقه اجتماع الكويت في نهاية 1991م، ولم يسفر أي منهما عن أدنى تغيير في مسيرة المجلس. بل يبدوا أن أيا من اجتماعي القمة لم يتطرق إلى مناقشة القضايا المصيرية ولم يضعها على جدول أعماله. وإنما ظلت طموحات شعوب المنطقة في الأمن والتنمية، ومطالبتها بالوحدة الفدرالية والديمقراطية الدستورية بطاطا حارة يتعذر الاقتراب منها.

*****

(2) بقـاء الحـال مـن المحـال

اليوم ونحن في الأشهر الأخيرة من عام 1992م، وموعد قمة مجلس التعاون في أبو ظبي يقترب منا، لا بد لنا من إلقاء نظرة على واقع حال دول مجلس التعاون، والتعرف على احتمالات المستقبل، فدول المجلس اليوم هي أبعد ما تكون من الوصول إلى وحدتها. والخلافات الحدودية فيما بينها تفاقمت إلى نزاعات عجزت هيئات مجلس التعاون عن حلها. عجزت هيئة تسوية المنازعات عن القيام بمهمة التحكم المحايد فيها وفشل المجلس الأعلى في إيجاد حلول بقبوله لها وواصل بعضها إلى صراعات تتواجه فيها القوات وتراق فيها الدماء زكية ما كان لها أن تراق، لو أن دول المجلس اهتدت إلى طريق الوصول إلى وحدتها.

ودول المجلس اليوم تراجعت عن اغتنام فرص التحول الديمقراطي التي لاحت في الأفق، بل أن هامش التسامح قد ضاق، باستثناء الكويت التي أعادت العمل بدستور 1962م، واستأنفت الحياة النيابية.

فالبحرين لم تعد إلى العمل بدستور 1972م، وليس هناك أي بوادر لاستئناف الحياة النيابية التي عطلت منذ عام 1976م. ومازالت الإمارات وقطر لم تتقدما على طريق وضع دساتير دائمة وإقامة مجالس شورى منتخبة، بدلا عن الدساتير والنظم الأساسية المؤقتة التي تم وضعها على عجل عند استقلالهما في مطلع السبعينات، مع وعد بتغييرهما إلى دساتير ديمقراطية دائمة. وفي سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية اختارت حكومتيهما أن تأخذ بنظم أساسية للحكم ومجالس استشارية معينة، كان الأخذ بها في مطلع السبعينيات يعتبر إجراء مؤقتا لفترة  انتقالية. وتواجه دول المنطقة اليوم أيضا مطامع إقليمية متزايدة تعجز الدول الصغيرة في المنطقة عن مواجهتها منفردة. ويزيد من مخاطر هذه المطامع انهيار النظام الإقليمي العربي، وعجز مجلس التعاون عن توفير الحد الأدنى من القوة القادرة على ردع الدول الإقليمية الطامعة. كما تشهد دول المنطقة توجها للهيمنة الخارجية ينال من سيادتها ويضعف من استقلالها ويؤدي إلى تآكل إرادتها الوطنية، وإعاقة اندماجها الإقليمي، وتكاملها العربي، في وقت يتغير فيه العالم وتختلف فيه سياسات الدول الكبرى وفق مصالحها. فالهيمنة اليوم غير الحماية في الماضي، لا توفر ضمانات دائمة للدول الضعيفة ولا تفرض التزامات دفاعية على الدول المهيمنة اليوم. وإنما تعطي الدول المهيمنة خيارا تمارسه وفق مجريات مصالحها.

وتبرز ايضا مشكلة الخلل السكاني، وتغيير تركيبة الوافدين لغير صالح الناطقين باللغة العربية، لتأكد أن بقاء الحال في دول المنطقة من المحال. فمواطني الإمارات لا يزيدون كثيرا على خمس السكان، وغير الناطقين باللغة العربية يقدرون بحوالي الثلثين من أجمالي السكان. وفي قطر يقدر عدد المواطنين بحوالي ربع السكان، ويقدر عدد غير الناطقين باللغة العربية اليوم بحوالي 58% من أجمالي السكان بعد أن كانت هذه النسبة في إحصاء عام 1986م، تبلغ حوالي 48% . وفي بقية الدول الأخرى تتراوح نسبة الوافدين بين النصف والثلث من أجمالي السكان، في حين يشكل غير الناطقين باللغة العربية معظم الوافدين. وأبعاد مشكلة الهجرة اليوم، في ظل شعارات حقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لحقوق العاملين، هي غير ما كانت عليه بالأمس. فأخطار الهجرة لم تعد أخطار ثقافية واجتماعية واقتصادية فحسب وإنما هي اليوم أخطار سياسية بالدرجة الأولى. بل إنهاء في أغلب دول المنطقة خطر يهدد وجود الدول وينذر بضياع وحدة الهوية العربية – الإسلامية الجامعة لشعوبها. وتشير احتمالات استمرار التركيبة الحالية إلى تكوين مجتمعات هي خليط من أجناس وأديان ومذاهب، يشكل المواطنون بينهم أقلية من بين سائر الأقليات. وهناك اليوم خطر من استقلال الاتفاقية الدولية لحقوق العاملين، والضغط على دول المنطقة لتطبيق الحقوق الواردة فيها. ومن بينها حق اكتساب المواليد من أبناء الوافدين جنسية البلد الذي يولدون فيه، إضافة إلى حق المقيمين فترة طويلة اكتساب الجنسية. هذا فضلا عن حق لم الشمل واستقدام أسر العاملين إلى البلدان التي يعملون بها، وحق الوافد في تغيير مكان عمله واعتبار الاختلاف على عقد العمل مبررا غير كاف لابعاد العامل من البلد الذي وفد إليه. ان هذا الاحتمال الخطر على هوية مجتمعات المنطقة بل على وجود دولها وارد، وحظه من القبول والتأييد والفرض على مستوى العالم كبير. ولن يفيد حكومات المنطقة الدفع بحجج قانونية، ولن يجدي شعوبها أن تصرخ بأن شعارات حقوق الإنسان وحقوق العاملين المرفوعة في وجه دول المنطقة هي حق يراد به باطل.

والى جانب كل هذه التحديات المصيرية التي يهدد استمرارها استقلال دول المنطقة وهوية شعوبها، يجب التأكيد ايضا على استحالة تحقيق عملية التنمية الشاملة في أي من الدول منفردة. فكل من دول المنطقة منفردة، لاسيما الصغيرة منها، لا يتوفر لها الحد الأدنى من متطلبات التنمية، نتيجة صغير الحجم وضيق السوق ونقص الموارد البشرية فضلا عن افتقار الدول الصغيرة إلى مقومات التنمية وفقدانها الكيان الأمن الذي يضمن استمرار عملية التنمية.

ويضاف إلى ذلك كله عدد آخر من المشكلات والمظاهر السلبية التي أفرزتها مسيرة مجلس التعاون، وولدتها الانطباعات – الصائبة أحيانا والخاطئة في كثير من الأحيان – حول الدولة النفطية الغنية المبذرة وغير الديمقراطية التي لا تراعي حقوق العاملين، مما أدى إلى خلق صورة نمطية غير محبوبة لدول المنطقة ومواطنيها لدى الرأي العام العربي والأجنبي. وهذه الصورة النمطية الظالمة التي يغذيها الأعلام المعادي، ويرسخها في ذهن العدو والصديق، أصبحت اليوم تشوه صورة دول المنطقة ومواطنيها وتقف حاجزا أمام قبولهم، بل تنكر عليهم حق الحياة والوجود. وليس لدول المنطقة وشعوبها من سبيل إلى تغيير هذه الصورة المجحفة سوى مراعاة حقوق الإنسان، وبدء عملية التحول الديمقراطي في إطار كيان فدرالي قادر على توفير مقومات الأمن ومتطلبات التنمية.

*****

تلك هي القضايا المصيرية التي تواجه كل من دول المنطقة اليوم. وهي قضايا فشلت مسيرة مجلس التعاون الراهن في حلها. وتقف اليوم كل دولة من الدول الأعضاء في المجلس عاجزة عن مواجهتها منفردة. وهذا كله يشير الى ان بقاء أوضاع دول المنطقة على حالها من المحال. فالدول مهددة بالضياع، والمجتمعات مهددة بالتفكك، والشعوب مهددة بالذوبان في بحر الهجرة غير العربية، وضياع هويتها العربية – الإسلامية الجامعة الموحدة. ومثل هذا التهديد وارد سواء أكان نتيجة المطامع الإقليمية والهيمنة الخارجية، أو بسبب غياب الشورى الملزمة والديمقراطية الدستورية، أو نتيجة تداعيات الخلل السكان الذي ينذر بضياع الهوية الجامعة الموحدة لشعوب المنطقة.

ان قضية حكومات المنطقة وشعوبها اليوم قضية وجود. والخيار الوطني الوحيد للدولة والمجتمع يكمن في تجسيد الكيان الفدرالي، وإقامة الديمقراطية الدستورية، والالتفات إلى العمق العربي باعتباره البعد الاستراتيجي لدول الجزيرة العربية موطن العرب ومنبع الإسلام. إن تصحيح مسيرة مجلس التعاون باتجاه الوصول إلى وحدة دولة، وإقامة الشورى الملزمة، والاتفاق على شرعية دستورية تحتكم إليها الأقطار، ويخضع لها الحاكم والمحكوم، هما الكفيلان بالمحافظة على المصالح الحيوية لشعوب المنطقة، وصيانة هويتها، وتوفير مقومات الأمن والتنمية.

فما السبيل إلى إعادة مسيرة مجلس التعاون إلى هديها؟ وبدء العمل الجاد للوصول إلى وحدة دولة؟. وما السبيل إلى بدء عملية التحول الديمقراطي وإقامة الحياة الدستورية الديمقراطية؟ وما وسيلة ذلك في ضوء عجز كل دولة منفردة عن مواجهة التحديات المصيرية بعد أن خاب الرجاء في المسيرة الراهنة لمجلس التعاون، وتفاقمت عبرها مسائل الحدود على حساب قضايا الوجود؟ ما العمل وكل ذي عقل وحس وطني بالمسئولية يدرك أن بقاء الحال من المحال؟ وان أوضاع كل من دول المنطقة لا تمكنها من مواجهة التحديات المصيرية منفردة؟ فأما الوحدة الفدرالية والديمقراطية الدستورية التي تتراضى على دستورها الدول الصغيرة والكبيرة، وتخضع للشرعية الدستورية فيها الدولة والمجتمع، أو الضياع والعياذ بالله. انه سؤال مصيري حري بكل من يقدر واجب المسئولية الوطنية أن يجتهد في الإجابة عليه قبل فوات الاوان..