إصلاح الخلل السكاني في أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية

أولا: توصيف الخلل

تعاني دول المنطقة الست الأعضاء في مجلس التعاون، من خلل هيكلي مزمن في تركيبة السكان عامة وقوة العمل على وجه الخصوص. فقد تعدت نسبة الوافدين في إجمالي سكان المنطقة عام  2001 الثلث، وبلغت نسبتهم في إجمالي قوة العمل حوالي الثلثين. وأدى ذلك إلى خلل في التركيب الديمغرافي للسكان وإلى ضعف الانتماء والولاء للبلد لدى قوة العمل عامه. كما جعل ذلك الخلل من معظم مجتمعات المنطقة، معسكرات عمل أكثر مما هي مجتمعات يرتبط مصير السكان فيها.

وهذا الخلل المستمر والمتفاقم، موثقا ومرصوداً وأشبع بحثاً ودراسة ومناقشة وتكدست التوصيات والحلول المقترحة لمعالجته، على المستويين الأهلي والرسمي منذ ربع قرن بشكل خاص. وتؤكد حقيقة استمرار هذا الخلل وتفاقمه، أنه عصي على الحل ولم يكن قابلا للمقاربة الموضوعية الوطنية التي تأخذ المصالح المشروعة للمواطنين ولجميع الأطراف ذات العلاقة به في الحسبان.

ولذلك فإصلاح هذا الخلل هو اليوم في حاجة إلى وقفة جادة وإعادة تفكير والقيام بتقييم السياسات الملتبسة والآليات والإجراءات التي فشلت في علاجه، هذا بالرغم من ظاهرها المتشدد وحتى غير الإنساني في كثير من  الأحيان . لقد أصبحت ظاهرة الخلل السكاني إشكالية مركبة، تتطلب فهما عميقا لتعقيداتها وتعاملا ذكيا مع شبكة المصالح المرتبطة بها. كما ان علاجها تدريجياً ومقاربة إشكالياتها، يتطلب نمو إرادة مجتمعية لم تكن موجودة في السابق ولا هي على قائمة أولويات حكومات المنطقة ولا حتى في صلب اهتمامات أهلها.

وجديرٌ بالذكر إن ظاهرة الهجرة بين أطراف إقليم شرق الجزيرة العربية، وبينه وبين الأقاليم الجغرافية الأخرى المجاورة، هي ظاهرة تاريخية قديمة. ولكن تلك الهجرة التاريخية كانت في معظمها من داخل الجزيرة العربية ومن العراق وعرب فارس ومن عمان الداخل، وكانت بأعداد ونسب وأدوار يمكن استيعابها من قبل المجتمعات المستقرة، وذات ثقافة شبيهة تساعد على اندماج القادمين في مجتمعات المقيمين. وقد كان المهاجرون في الماضي إضافة مرغوبة إلى قوة العمل المواطنة، ذات الدور الرئيسي في النشاطات الإنتاجية والاجتماعية الأخرى، ومعاضدين لها ومتكاملين مع أدوارها ومندمجين فيها، وليسوا بديلاً يحل مكانها ويهمش دور المواطنين في الإنتاج والإدارة والثقافة كما هو الحال الآن.

ومنذ تدفق النفط في كل دولة من دول المنطقة، أخذت الهجرة إليها تتصاعد ومصادر تلك الهجرة تتعدد، وتبتعد جغرافيا عن المنطقة. كما تتباعد ثقافة معظم جماعات المهاجرين الجدد، عن ثقافة المنطقة وقواسمها المشتركة. ولكن وبالرغم من ذلك، فإن ظاهرة الخلل السكاني لم تعم وتتضح في دول المنطقة إلا منذ حوالي ثلث قرن. بعد الفورة النفطية الأولى في مطلع سبعينيات القرن الماضي. ففي عـام 1975م، بلغ إجمالي سكان الدول الست 10 مليون نسمة، نسبة الوافدين بينهم 26% ، وبلغ حجم العمالة 2.9 مليون نسبة الوافدين فيها 45%. وفي عام 1981م، أثناء قيام الطفرة النفطية الثانية، ارتفع حجم السكان في الدول الست إلى 12 مليون نسمة وتصاعد حجم قوة العمل إلى 4 مليون وفاقت نسبة الوافدين منهم النصف حيث بلغت 54.5%.

ومنذ ذلك التاريخ تفاقم الخلل السكاني وكأنه قدر كتب على المنطقة "ومن كتبت عليه خٌطى مشاها". هذا بالرغم من تراجع اقتصاديات المنطقة نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار النفط وتراجع إنتاجه وعائدات، وما قيل حول سياسة توطين العمالة والحد من تدفق العمالة الوافدة، إضافة إلى التحديات والفرص التي رافقتهما وكان من الممكن الاستفادة منها. وفي عام 2001م، نجد إحصاءات مجلس التعاون المتحفظة تؤكد أن حجم السكان في الدول الأعضاء الست قد ارتفع إلى 32 مليون نسمه بعد أن كان 10 مليون عام 1975م، وارتفعت نسبه الوافدين بينهم إلى 34.9% مقارنة بنسبة 26% عـام 1975م، وكذلك تؤكد أن حجم قوة العمل في عام 2001م، قد بلغ 10.7 مليون بعد إن كانت 2.9عام 1975م، وتصاعدت نسبة الوافدين بينهم إلى حوالي الثلثين 64.8 % مقارنه بنسبه 45% عام 1975م.

وإذا كان الخلل السكاني عاما وشاملا في المنطقة ويتفاقم في جميع الدول الأعضاء في المجلس، فان أحوال بعض البلدان والمجتمعات اكثر انكشافا وخطورة من بعضها الآخر، كما يوضح ذلك الجدول التالي:

جدول (1) إحصاءات السكان وقوة العمل في عام 1975 و 2001 ( بالألف)

 

 

 

 

 

 

فالإمارات كما يتضح من الجدول في عام 2001 لم يعد يمثل مواطنيها سوى 22%  من السكان و8.7% فقط من قوة العمل . وقطر ليست أفضل حالاً حيث لا يتجاوز نسبة المواطنين في السكان 30% وفي قوة العمل 14.1% فقط. والكويت التي أتيحت لها في مطلع التسعينيات، فرصة إعادة ترتيب سياستها السكانية، عادت بسرعة إلى وضع أكثر اختلالاً مما كانت عليه قبل عام الغزو، فتدنت نسبة المواطنين في السكان إلى 38.1% وفي قوة العمل انخفضت نسبة المواطنين إلى 19.7%. ولا تستثني الدول ذات الكثافة السكانية ومعدلات البطالة المرتفعة بين المواطنين، من تصاعد معدلات الخلل في تركيب السكان وفي تركيب قوة العمل كما يتضح من الجدول أعلاه. وجديرٌ بالتأكيد أن إحصاءات عام 2001م، متحفظة جداً ومن مصادر رسمية تسعى إلى مداراة الخلل بعد أن فشلت في علاجه، كما شهدت قطر والإمارات والبحرين خلال هذه الفترة حركة تجنيس واسعة ربما وصلت إلى 50% من المواطنين الأصليين في بعضها.

ثانياً: أبعاد الخلل السكاني وتداعياته

يؤدي استمرار الخلل السكاني الراهن في دول المنطقة عامة، وفي الإمارات وقطر بشكل خاص، إلى مخاطر على الأمن الوطني والإقليمي والقومي للمجتمعات الأصلية ويهدد وجودها بالنكوص والضياع، بعد أن أصبح المواطنون مجرد أقلية من الاقليات بين السكان وليسوا بالضرورة أكبرها في عدد من دول المنطقة. لقد تصاعدت نسبة الوافدين – وأغلبيتهم العظمى من غير الناطقين باللغة العربية- حتى فاقت ثلث إجمالي سكان دول المنطقة الست، وبلغت أعلاها في الإمارات (78%) وقطر (70%) والكويت (62%) .

كما أدى الاعتماد شبه المطلق على قوة العمل الوافدة إلى تراجع الدور الإنتاجي للمواطنين وتهميش وجودهم. لقد  فاقت نسبة قوة العمل الوافدة أو ناهزت الثلاثة أرباع في الإمارات وقطر والكويت وعمان وزادت على النصف في البحرين والمملكة العربية السعودية، وبذلك أزاح الوافدون قوة العمل المواطنة من سوق العمل عامة، ومن القطاع الخاص والمشترك حيث  ترتبط فيهما بالضرورة المكافأه بالجهد والإنتاجية، باستثناء القطاعات التي أعطيت فيها لقوة العمل المواطنة أفضلية إدارية وقانونية عالية وكانت اقتصادياتها قادرة على تحمل ذلك، مثل قطاع النفط والصناعات القائمة على النفط والغاز. وتكدس المواطنون حيث سمحت الميزانيات في الإدارة العامة، اغلبهم في بطالة مقنعة. ورمي ببقية قوة العمل المواطنة المتزايدة في أتون البطالة المتصاعدة التي أصبحت اليوم ظاهرة خطيرة في دول المنطقة لا سيما في الدول الكبيرة وذات الكثافة السكانية العالية. هذا إضافة إلى تفاقم ما كانت تعانيه المنطقة دائماً، من بطالة اجتماعية بين النساء بسبب ضيق مجالات العمل المتاحة لهن. إلى جانب بطالة مرفهة واجتماعية نتيجة لتدني المستوى الوظيفي المتاح أو الأجور المعروضة، عما يعتقد العاطل إنه المستوى الملائم لمكانته الاجتماعية ومستوى عائلته الاقتصادي، فيفضل الانسحاب من سوق العمل بدلاً من منافسة الوافدين على وظائف غير مجزية الأجر.

وإضافة إلى هذين البعدين الرئيسين وتداعياتهما، هناك أبعاد عديدة أخرى مهنية وقانونية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإنسانية، وتداعيات سلبية للخلل السكاني في بلدان المصدر وفي البلدان المستقبلة للعمالة الوافدة أيضاً. وقد تم تناول تلك الأبعاد وتداعياتها في العديد من الدراسات والبحوث وتم التنبيه إلى سلبياتها والتنويه بمخاطرها على هوية شعوب المنطقة وقواسمها المشتركة على سبيل المثال. كما نوهت بعض تلك الدراسات بالتكلفة الاجتماعية للهجرة على المجتمعات المرسلة وأكدت بشكل خاص على خطورة نقلها لنمط حياة استهلاكية تفاخرية، إضافة إلى خلخلتها الاجتماعية للمجتمعات المحلية التي هاجرت منها تاركة خلفها الأزواج والزوجات والأطفال، بعد أن رهن الكثير من المهاجرين الهامشيين كل ما يملكه وحتى دخله المستقبلي قد رهنه، إلى سماسرة الهجرة ومستغلي حاجة المهاجر في الطرفين.

ولعل الحالة التي وصلت إليها مجتمعات المنطقة تنذر اليوم بتداعيات إضافية خطرة على وجود هذه المجتمعات وهويتها الجامعة في وقت تتعرض فيه دول المنطقة إلى متغيرات دولية وإقليمية جديدة لم تعهدها من قبل.

ثالثاً: الأهمية الاستراتيجية لتصحيح الخلل السكاني

هناك حاجة ماسة وأهمية استراتيجية عاجله لتصحيح الخلل السكاني في دول المنطقة في سياق الإصلاح الجذري من الداخل. فتصحيح الخلل السكاني والذي اخذ يتفاقم عبر ثلث قرن من الزمن وكأنه قدر المنطقة وخطى كتبت عليها، لا بد أن يشكل حجر الزاوية في أجندة كل إصلاح جاد. وذلك من أجل إيقاف مسار ضياع مجتمعات المنطقة الأصلية، بعد ان أدى إلى خلخلتها وشل قدرة المواطنين فيها وأضعف قدرتهم الجماعية على تقرير مصيرهم والدفاع عن مصالحهم المشروعة وتامين مستقبلهم.

لقد تفككت مجتمعات المنطقة الأصلية نتيجة تراجع دور المواطنين السياسي والإنتاجي، بسبب تدفق الهجرة والاعتماد على قوة العمل الوافدة التي زادت نسبتها على نصف إجمالي قوة العمل في كل دولة من دول المنطقة، وأصبحت بلدان المنطقة بالتالي اقرب إلى معسكرات العمل منها إلى المجتمع بالمفهوم العلمي للمجتمع.

فمن ناحية ... ليس المواطنون في كل دولة وحدهم كل المجتمع، نتيجة لعدم قدرة الجماعة المواطنة على توفير الحد الأدنى من الاعتماد المتبادل على نفسها، بسبب تهمش الوافدين لأدوار المواطنين وإعاقة تفاعلهم الإيجابي على مستوى الدور الإنتاجي والسياسي والثقافي. الأمر الذي أدى إلى فقدان النسق الاجتماعي وشل قدرة الضبط الاجتماعي في تلك التجمعات السكانية التي يشكل المواطنون في معظمها مجرد أقلية من الأقليات ليست بالضرورة أكبرها.

ومن ناحية ثانية ... لا يشكل كل السكان مجتمعا، حيث لا تتمتع تلك التجمعات السكانية بخصائص المجتمع الذي يرتكز في العادة على اسر طبيعية ويتكاثر أساسا من التوالد ويتزاوج أفراده بشكل رئيسي من بعضهم بعضاً وتتقارب فيه نسبة الإناث والذكور ويسود فيه هرماً طبيعياً للسكان من حيث السن والجنس، وتتوفر فيه آليات الاندماج في حياة اجتماعية مشتركة ونظم تربية وتعليم وتنشئة اجتماعية، يقربون الأفراد والجماعات من بعضهم بعضاً ويوثقون الروابط بينهم. كما تفتقر تلك التجمعات السكانية إلى الثقافة الجامعة والقواسم الوطنية المشتركة بسبب اختلاف مصادر ثقافة كل قوم وجنسيتهم واختلاف مصالحهم، وتباين تقاليد وأعراف وقيم كل منها بشكل عام وعلى الأخص بالنسبة لغير الناطقين باللغة العربية. والى جانب ذلك تفتقر تلك التجمعات البشرية أيضا، إلى خاصية ارتباط مصير أفراد وجماعات السكان والتي يعتبر وجودها حجر الزاوية في كل تجمع سكاني حتى يرتقي إلى صفة المجتمع. فكل جالية مرتبط مصيرها بمصير المجتمع الذي قدمت منه ومازالت تنتمي إليه أكثر من ارتباطها بمصير التجمع السكاني الذي قدمت إليه.

رابعاً: متطلبات إصلاح الخلل

يتطلب إصلاح الخلل السكاني في كل دولة من دول المنطقة وضع وتطبيق سياسة سكانية وتبني استراتيجيات وبرامج وخطط وإجراءات كافية وصارمة، ذات أهداف كمية ونوعية قابلة للمتابعة والقياس والتقييم الموضوعي. وذلك من أجل أن يصبح المواطنون أغلبية آمنة وفاعلة ذات دور رئيسي في المجتمع في المدى المتوسط ( 5-10 سنوات)، وان يصبح المواطنون أغلبية متزايدة تعتمد عليها قوة العمل. وربما تكون النسبة الآمنة للوافدين في إجمالي السكان لا تتعدى 10% في المدى البعيد (10-20 سنة) ونسبتهم في إجمالي قوة العمل لا تتعدى 20%. وجديرٌ بالتأكيد ان هذه النسب المقترحة تعتبر من أعلى النسب في العالم حتى في الدول التي تأسست على الهجرة. فكل الدول الحريصة على المصالح المشروعة لمواطنيها تدرك ان لكل هجرة أثرا على البطالة فيها، وتأثيراً على الاندماج الوطني، حيث انه لا بد من ان تستقر نسبة من المهاجرين. لذلك فإن هذه الدول تحد من نسبة المهاجرين في السكان وقوة العمل، وتحدد ذلك في ضوء قدرتها على الاستيعاب والاندماج. وكذلك تتولى الدول بنفسها تحديد عدد المهاجرين ونوعيتهم المهنية ومتطلباتهم الثقافية، ولا تترك الحبل على الغارب لأصحاب العمل وفقاً لاعتبارات الربح التجاري أو إرضاء رغباتهم في الاستهلاك التفاخري وحشد الخدم والحشم.

وإذا كان من الواجب في الختام أن يشار إلى سياسات واستراتيجيات وطنية لمواجهة الخلل السكاني، فإنه يمكن العودة إلى ما تم اقتراحه منها على مدى ثلث قرن من الزمان، نعيد النظر فيه ونعدله ونضيف إليه بهدف الوصول إلى مقاربة قابلة للتطبيق وفقاً للمصالح الوطنية المشروعة، آخذين في الاعتبار واقع الهجرة في كل دولة وفي المنطقة بشكل عام ومدركين للمتغيرات الدولية والإقليمية ذات التأثير على متخذ القرار . وجديرٌ بالتأكيد أيضا أن ما ينقص المنطقة بل الدول العربية جمعاء بالدرجة الأولى، ليس قلة الدراسات والتحليل والمقترحات فالأدراج بها مليئة، وإنما تعوزنا إرادة التنفيذ.

لذلك وفي المقام الأول تأتى قضية تنمية حد أدنى من الإرادة المجتمعية وتوفير القدرة التنفيذية على رأس المتطلبات. فلابد أن يحزم المواطنون أمرهم أفرادا وجماعات وأن يؤكدوا إرادتهم لمواجهة الخلل السكاني المزمن في المنطقة. وذلك بالضغط على حكوماتهم تعبيراً عن إدراكهم لشرور استمرار الخلل السكاني على حاضرهم ومستقبلهم. فبدون حركة شعبية سلمية ضاغطة لن يكون إصلاح الخلل السكاني من بين أولويات الحكومات وغياب هذا الضغط في الماضي أدى مع الأسف إلى أن تكون الدعوات إلى إصلاح الخلل السكاني مجرد رغبات ، وليس طلبا فعالاً تسنده حركة شعبية مستمرة ما استمر الخلل. والى جانب العمل على بلورة إرادة سياسية والضغط على متخذ القرار مباشرة فإنه لا بد من التعاون أيضا مع الأجهزة التنفيذية المسئولة عن السياسة السكانية وعن الهجرة واستقدام العمالة وتوطين الوظائف ومتابعة أدائها ومساعدتها بالرأي والنصيحة والوقوف معها ضد ضغوط المنتفعين من استقدام العمالة ومن تصديرها أيضا.

وفي المقام الثاني لا بد من وضع خطة مرحلية انتقالية (5-10) سنوات هدفها تخفيض العدد المطلق للوافدين في السكان أو على الأقل عدم زيادته. وكذلك الحد من حجم العمالة الوافدة الحالي بنسبة معقولة سنويا. وذلك من خلال سياسة عدم استبدال كامل العمالة الهامشية والكمية المبالغ في أعدادها في قطاع الخدمات الشخصية وتجارة التجزئة وفي القطاعات ذات العمالة الكثيفة. ويمكن توظيف عدد من الاستراتيجيات والسياسات أولها: استراتيجية تعبئة كامل قوة العمل المواطنة المتاحة وتوجيهها إلى وظائف إنتاجية بعيداً عن البطالة المقنعة. ثانيها:استراتيجية تقليل احتياجات البلد من القوى العاملة عامة بإعطاء الأولوية للوظائف المنتجة في القطاعات ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وتحميل صاحب العمل تدريجياً التكلفة غير المباشرة للعمالة الوافدة. هذا إضافة إلى إلزامه بالتامين الصحي وحد أدنى للأجر. وكذلك حصر واجب الاستقدام في الدولة وإلغاء الكفيل بعد أن تضع الدولة سياسة واضحة المعالم وتلتزم بتطبيقها. ثالثها: استراتيجية الإحلال. إحلال المواطنين مكان الوافدين وإحلال المرأة مكان الرجل وإحلال العمالة النوعية المهنية والفنية المتعلمة مكان العمالة الكمية والأمية. وإحلال ذوي القدرة الثقافية على الاندماج محل غيرهم. رابعها: تبني سياسة التعويض المرحلي للمتضررين من الوافدين وأصحاب العمل من جراء الاستراتيجيات الثلاث المذكورة أعلاه لشراء الرضا والحصول على تعاون الأطراف ذات العلاقة.

وعندما يتأكد وجود إرادة مجتمعية لإصلاح الخلل السكاني ويتم التعبير عن وجودها بوضع وتنفيذ خطه مرحلية انتقالية، يتم وضع خطة طويلة المدى ترتكز على استراتيجيتين رئيسيتين  أولاهما: السيطرة على آلية تدفق قوة العمل الوافدة . وثانيتهما: استراتيجية إعادة الاعتبار لدور المواطنين باعتبارهم التيار الرئيسي في المجتمع وعماد قوة العمل. وهاتان الاستراتيجيتان المطلوبتان لمعالجة الخلل السكاني في المدى البعيد (10-20 سنة)، إلى جانب استراتيجيات وسياسات المرحلة الانتقالية يجب أن تراعيا العوامل السبعة التالية: أولا: الحد من الإنفاق الاستهلاكي والسيطرة على حجم الإنفاق العام والخاص وتركيبهما في القطاع العام والخاص عن طريق أدوات السياسة المالية والاقتصادية والتجارية. ثانيا: أحكام قيود الهجرة وقيود الاستقدام وإناطة ذلك بالدولة المسئولة عن سوق عمل واحدة، في البلد الواحد تغذيها بالعمالة المواطنة المناسبة من خلال التعليم والتعبئة والتدريب، وتستكملها بالاحتياجات المهنية الناقصة وفق سياسة هجرة واضحة المعالم ومحسوبة التأثير والنتائج. ثالثا: سياسة سكانية بعيدة المدى تأخذ حتمية تجنيس عدد من الوافدين. فليست هناك هجرة لم تترك أثراً بشرياً وثقافياً. ويمكن ان يكون ذلك الأثر إيجابيا إذا كانت سياسة التوطين في حدود الاستيعاب والقدرة على الإدماج والاندماج الحقيقي في المدى البعيد. رابعا: تنمية الحوافز والروادع الذاتية لدى صاحب العمل ولدى المواطنين أفرادا وجماعات ومؤسسات ولدى الوافدين أيضا، من اجل الانسجام مع متطلبات تحقيق الأهداف الكمية والنوعية للسياسة السكانية. خامسا: توظيف التقنية والاتجاه إلي النشاطات الإنتاجية والخدمية ذات الكثافة الرأسمالية والاعتماد على التعليم والتدريب والتطوير أثناء العمل لإعداد كامل قوة العمل المواطنة والوافدة أيضا للوظائف ذات المحتوى التقني العالي. سادساً: رفع مستوى المهارة والمسؤولية لدى متخذي القرارات التنفيذية والاهتمام بتوجهاتهم الوطنية. سابعا: إيجاد مجلس أعلى على المستوى الوطني وربما الإقليمي، وأداة مركزية لتنسيق السياسة السكانية ومتابعة أدائها وتقييمه بشكل منتظم ومستمر وتوفير جميع الأدوات وتوظيف الآليات القادرة على تحقيق الأهداف الكمية للسياسة السكانية.