العوامل الخارجية والديمقراطية - رسالة الى المشاركين في اللقاء الخامس لمشروع دراسات الديمقراطية
أيهـا الأخـوات والاخـوة الزمـلاء والأصدقـــــاء،
السـلام عليكـم ورحمـة الله وبركاتـه،،،
أٌحييكم عن بعد... أطيب تحية. وأرحب بكم أجمل ترحيب... وأعتز بمشاركتكم التي شرف بها اليوم مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية.
وأتمنى لجمعكم الكريم... ولقائكم الخير ... التوفيق والسداد في تناول موضوع حلقة النقاش السادسة هذه المتمثلة في دور "العوامل الخارجية في التحول الديمقراطي في البلدان العربية".
ولا يفوتني... ان أشد على يد كل من منسق المشروع الزميل الدكتور رغيد الصلح، والزميل الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السربون ... مهنئا ومقدرا الجهد الواعي والمتصل الدؤوب، الذي يبذلونها بالرغم من قلة الإمكانيات. وأعتذر عن غيابي للسنة الثالثة على التوالي عن ورش العمل التي عقدها المشروع ولكن ... ما باليد حيلة*.
أعزائي ...
إنني على ثقة كبيرة في أن مساهمتكم القيمة اليوم سوف يكون لها شأن في تحرير المسألة المطروحة للحوار، وسوف يكون لها أيضا فضل في بيان ما تتيحه العوامل الخارجية من فرص للتحول الديمقراطي في البلاد العربية وما تفرضه من تحديات. كما سيكون لحواركم المتفاعل دور بارز في تنمية فهم مشترك أفضل لطبيعة وحدود تأثير العوامل الخارجية، وضرورة التميز بينها. فليست كلها في سلة واحدة. ولا مصادر التأثيرات الخارجية ودوافعها متماثلة. ان أطروحاتكم النيرة وحواركم الغني سوف يعزز المساعي الديمقراطية في البلدان العربية، ويلفت النظر إلى الفرصة المتاحة، ويساعد على تحديد المداخل المناسبة للاستفادة من العوامل الخارجية..
إن توفير شروط ومتطلبات التحول الديمقراطي شأن داخلي لا شك فيه. وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. ولكن بالرغم من تلك الحقيقة الساطعة، فان العوامل الخارجية اليوم لا تقل أهمية. فالخارج شريك للداخل في الأعلام والتثقيف والتنشئة، وفي تنمية الطموح الديمقراطي أو قمعه. والقوى الخارجية الكبرى والدولية شريكة في إدارة الحاضر وتشكيل المستقبل. وبالتالي فان العوامل الخارجية ليست محايدة. فبعضها مرجح للتحول الديمقراطي ومساند لـه. وبعضها الأخر معوق له أو غير مشجع على أقل تقدير.
والبلاد العربية ليست استثناء . فهي على اتصال وتواصل كثيف مع الخارج. منكشفة عليه وذات اعتماد متبادل غير متساو معه. وعلاقاتها مع أوربا وإمداداتها الحضارية مثقلة باحتكاكات عبر التاريخ، ومخاوف وحذر يشوب علاقة الطرفين في الوقت الحاضر. وإضافة إلى ذلك فان الدول العربية المثقلة بمشكلاتها المتراكمة، وتآكل شرعية حكوماتها، عرضة لنشاط القوى الخارجية السلبية منها والإيجابية.
وعلى المعنيين بالتحول الديمقراطي في البلاد العربية واجب التعرف على القوى الديمقراطية الحقة التي يمكنها أن تساند عملية التحول الديمقراطي. وعليهم الاستفادة منها في ذلك بشكل مباشر، وغير مباشر يتمثل في التأثير على مواقف القوى غير المشجعة للتحول الديمقراطي في البلاد العربية. فمساندة تلك القوى الديمقراطية الحقة هي السبيل إلى تخفيف التأثيرات السلبية للعوامل الخارجية على عملية التحول الديمقراطي في البلاد العربية.
كما على المعنين بالتحول الديمقراطي، واجب تحديد العوامل الخارجية ذات التأثير السلبي على التحول الديمقراطي، الذي يمكن ان تجمع عليه التيارات الفكرية والقوى السياسية الفاعلة على الساحة العربية, وتعمل من أجل تحقيقه. وغني عن الذكر ان الحد الأدنى من الإجماع العربي، القادر على خلق "طلب ديمقراطي مجتمعي فعال"، لن يكون إلا على ديمقراطية دستورية، تراعي الثوابت، وتكون ذات نفس وطني وبعد اجتماعي تنموي، ينشد العدالة والتجديد الحضاري. وهذا التوصيف الأولي للديمقراطية المنشودة، يثير في حد ذاته مشاكل إضافية.
ومن هنا على ورشة عملكم هذه تقع مهمة مناقشة هذه المشكلة المعقدة، أو بالأحرى الإشكالية. إشكالية التعارض: بين الديمقراطية التي يمكن قبولها وتبنيها
والالتفاف حولها من قبل التيارات الفكرية والقوى السياسية الفاعلة على الساحة العربية، وبين الشروط والمتطلبات والاعتبارات التي تجذب القوى الخارجية المؤثرة على الأوضاع العربية، إلى مساندة وتأييد التحول الديمقراطي وتعزيز مساعيه في البلاد العربية.
وعلى فكركم الثاقب وجهدكم المعطاء في هذا اللقاء الطيب يعتمد مشروع دراسات الديمقراطية في مقاربته لهذه الإشكالية. ويطمح في التوصل إلى تحديد دقيق للجوانب التي يشتد فيها التعارض بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية. حيث تقف فيه العوامل الخارجية حجر عثرة في سبيل عملية التحول الديمقراطي أو غير مشجعة أو مكترثة بها. كما يتطلع إلى مساعدتكم في البحث عن المداخل المتاحة التي يمكن عن طريقها التوفيق بين البعد الوطني والمحتوى الإسلامي للتحول الديمقراطي المنشود، وبين الاعتبارات والمصالح المشروعة للأطراف الخارجية ذات التأثير البالغ على الحاضر والمستقبل العربي.
ولقائكم الخير في اكسفورد الجميلة وفي رحاب جامعاتها العريقة، مؤهل بخبرة أشخاصه وهمتهم، وبفضل تعدديتهم الفكرية، ان يتناول هذه الإشكالية بالتحليل العميق، وان ينمي فهما مشتركاً افضل، يساعد في تحويلها إلى مشكلة قابلة للحل. كما ان اجتماعكم هذا قادر على ان يعبر بصدق عن طبيعة العوامل الخارجية وأن يفرزها ويميز بينها، ويحدد تأثير كل منها على ماضي وحاضر ومستقبل التحول الديمقراطي المنشود في البلاد العربية.
*****
وتأتي مساهمتكم القيمة اليوم .... أيها الأعزاء ... لتكمل حوارات ودراسات تمهيدية، قام بها مشروع دراسات الديمقراطية ، عبر سنوات عمره الأربع الماضية. وقد أصبح لدى المشروع محصلة نقاش، ست ورش عمل ، وعدد من الدراسات التي صاحبتها أو تزامنت معها. هذه الحصيلة تسمح اليوم للمشروع بأن ينتقل إلى المرحلة التحضيرية الأكثر تحديدا، بعد أن تلمس الطريق، وأنشأ علاقات وأقام صداقات وتواصل يعتز بها مع باحثين ومفكرين وممارسين معنيين بالتحول الديمقراطي في البلاد العربية، من مختلف التيارات والقوى السياسية، بقد ما سمحت به الظروف وأتاحه الإمكانيات. وكذلك فان استقلالية المشروع والصداقية التي حرص عليهما قد جذبتا الاهتمام إليه وزادتا من فرص مساندته من قبل مؤسسات معنية بدراسات الديمقراطية.
ومن هنا فقد آن الأوان لأن يبدأ المشروع في استكمال الدراسات، وتنظيم الحوارات، التي تسمح له بإنجاز مهمته المتمثلة في صياغة رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية، تساهم في بلورتها التيارات الفكرية والقوى السياسية العربية، وترضاها إطارا فكريا لتعزيز المساعي الديمقراطية.
ومن بين الدراسات التي يسعى المشروع إلى القيام بها، دراسة "مستقبل الديمقراطية في البلاد العربية". وهي دراسة رئيسية للعوامل الداخلية. تتكون من دراسات قطرية لعدد من الأقطار العربية إضافة إلى دراسة تجميعية. وقد تحمل الزميل الدكتور برهان غليون مشكورا، عبء إعداد ورقة المنهج، التي ستكون هي نفسها موضوعا للمناقشة قبل بدء الدراسة من فريق البحث. أما الدراسات نفسها فسوف تكون موضوعاً للحوار على مستويين. أولهما: المستوى القطري في كل بلد تتم دراسته. ثانيهما: المستوى العربي عندما تنجز الدراسة التجميعية. وفي كل المستويين سوف تكون الدراسة وسيلة لتعميق المعرفة، وأداة للحوار بين باحثين ومفكرين وممارسين مختارين، من بين مختلف التيارات الفكرية والقوى السياسية، بهدف الوصول إلى فهم مشترك افضل لمستقبل الديمقراطية، والتوصل لتحديد مداخل عملية للتحول الديمقراطي المنشود.
وسوف يتزامن مع دراسة "مستقبل الديمقراطية ..."، قيام المشروع بعدد من الدراسات النوعية اللازمة لتأسيس الرؤية المستقبلية. منها تحديد مفهوم الديمقراطية المنشودة. وتحديد كل إشكالية من إشكالياتها. وكذلك التعرف على المداخل العامة للتحول الديمقراطي في البلاد العربية، والبناء المؤسسي الفكري البحثي اللازم إنشأه لمساندة المساعي الديمقراطية في البلاد العربية، بعد أن تنتهي مهمة "مشروع دراسات الديمقراطية في البلاد العربية".
ومن هنا يجب علينا، أمام هذا الجمع الطيب، أن نذكر أنفسنا، بأن المهمات التي انشىء مشروع دراسات الديمقراطية لأدائها ... باعتباره مشروعا مرحليا استطلاعيا يهدف إلى تأسيس جهد عربي فكري مؤسسي لتعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية ... هي ثلاث مهمات متداخلة من حيث الزمن ومتكاملة من حيث الوظيفة.
أولها: صياغة رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية. يشارك في صياغتها باحثون ومفكرون وممارسون من مختلف التيارات الفكرية والقوى السياسية. ويرضونها إطارا فكريا تلتقي حوله جهود المعنيين بالتحول الديمقراطي.
ثانيها: تنمية صلات وتواصل فكري يساعدان على تشكيل منتدى يضم في عضويته مهتمين بتنمية الفكر وتعزيز العمل الديمقراطي في البلاد العربية.
ثالثها: تنمية إمكانيات بحثية ومالية مساندة لجهود تعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية. وذلك من خلال تأسيس مركز دراسات الديمقراطية في البلاد العربية، ليواصل جهود المشروع بعد انتهاء مهمته ويضيف إليها أغراض أخرى. وليكون الجهة التي يناط بها تطوير الرؤية المستقبلية وتعميقها وملائمتها للمستجدات من خلال الاتجاهات الفكرية التي تتبلور في المنتدى الديمقراطي. وكذلك يكون من أغراض المركز نشر الثقافة الديمقراطية.
ولضمان استقلالية جهود تعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية فان الحاجة ماسة لتكوين وقف يوفر الحد الأدنى من التمويل لمركز الدراسات وللمنتدى. وقد تم بحمدالله تكوين نواة للوقف تحت اسم "وقف لتعزيز دراسات الشورى والديمقراطية"، وتم الحصول على مساهمات أولية بلغت حوالي ستين الف جنيه إسترليني في الوقت الحاضر. وجدير بالذكر ان موارد الوقف تسد الضروري جدا من النفقات الإدارية الجارية لمشروع دراسات الديمقراطية. أما جهود منسق المشروع، التي لم يبخل بها فهي تبرع وتطوع، وكذلك جهود الزملاء المشاركين في نشاطات المشروع في الوقت الحاضر.
*****
أخواتي وأخواني الكرام
اعتذر عن الإطالة. فالحق على أخي رغيد الصلح الذي دفعني للكلام دفعا ... وما كنت أظن أنني قادر عليه. ولكن على ما يبدوا أنني تكلمت كلام من طال صمته. ورسمت حلمي الذي قدر يرى الكثيرون فيه بعدا غير محمود عن الواقع. ولكنني فضلت ان لا أحرم نفسي نعمة الحلم ... ولا أنكر عليها "فسحة الأمل".