الفصل الأول: العودة إلى قطر يحدوني الامل

الفصل الأول

العودة إلى قطر يحدوني الامل

 

تمهيد

 

يبدأ الجزء الثاني هذا من مذكراتي، بعودتي إلى قطر عام 1974 بعد نيل درجة دكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة دًرًمْ بإنجلترا. وكما سبق أن بينت في الجزء الأول من مذكراتي (العوسج)، فقد شهدت السنوات العشر التي سبقت نيل درجة الدكتوراه عملية إقصاء السلطة لي ومنعي من العمل في الحكومة وشركات النفط في قطر ومن البعثات الدراسية من عام 1963 إلى عام 1973.

ولذلك يتندر بعض الزملاء على أن اختياري دراسة نمط تخصيص عائدات النفط كان بسبب حرماني من فتات عائدات النفط كما كنت أسميها خلال فترة الإقصاء تلك معزيا نفسي. فقد كنت كما يقولون كمن حرم من أكل التمر فقام بعَدّ الطعام (النوى).

والحقيقة أن نقدي لما كان يحدث من هدر وسوء توزيع لعائدات النفط في عشرية الإقصاء الأولى، كان ينسحب أيضا على ضياع فرص التنمية التي أتيحت للمنطقة ولم تسفر عن بدء عملية تنمية مستدامة في أقطارها. ولعل هذا القلق كان وراء اختياري دراسة "نمط تخصيص عائدات النفط وانعكاساتها على التنمية في إمارات الخليج العربي" موضوعا لرسالتي.

وأثناء أعداد رسالتي في الفترة من 1971-1974، بدأت بوادر تغيرات هيكلية في اقتصاديات النفط وفي العلاقات بين الدول المصدرة والمستهلكة له. واكتملت تلك التحولات بالطفرة النفطية الأولى التي ارتفعت خلالها أسعار النفط من دولارين عام 1970 إلى أكثر من 12 دولارا للبرميل في أواخر عام 1973 وزادت عائدات الدول المصدرة إلى أكثر من ستة أضعاف ما كانت عليه قبل الطفرة النفطية الأولى.

وبدأت لي أيضا في نهاية فترة دارستي فرص أكبر للاستفادة من الموارد النفطية وعائداتها وإمكانيات توظيفها في عملية تنمية مستدامة وطنية وإقليمية وعربيه بعد أن انتقل قرار تحديد أسعار النفط من شركات النفط الأجنبية الكبرى ومن وراءها الدول المستهلكة ألرئيسية إلى الدول المصدرة للنفط من خلال منظمة الأوبك. كما أن مشاركة الدول المنتجة مع شركات النفط صاحبة الامتياز في امتلاك وإدارة شركات النفط العاملة فيها تفرض بدورها تحديات جديدة بالنسبة للدول المصدرة للنفط.

وقد راودني الأمل في ذلك الوقت بأن تصبح صناعة النفط في الدول المنتجة قاطرة لعملية تنمية مستدامة خاضعة للقرار الوطني والمصلحة العامة يتم من خلالها بناء قاعدة اقتصادية بديلة للاعتماد على عائدات تصدير مورد ناضب.

من هنا كان سعيي للعمل في قطاع النفط واتجاهي للعمل في المؤسسة العامة القطرية للبترول في بداية تأسيسها عام 1974 وحماسي له عندما عرض عليّ بصرف النظر عن المنصب الذي سوف أتولاه. كان توجهي للعمل في قطاع النفط يحدوه الأمل في أن أستطيع من خلال الوظيفة العامة تقديم مساهمة وطنية في إعادة بناء قطاع النفط وتوسيع أطار مشاركته في تنمية اقتصاد وطني يهدف إلى تحقيق أقصى فائدة لقطر من مواردها النفطية وعائدات تصديرها ويقلل الاعتماد تدريجا على تصدير النفط الخام وصولا لبناء قاعدة اقتصادية بديلة للنفط من خلال اندماج إقليمي وفي إطار تكامل عربي.

******

وفي هذا الجزء الثاني من مذكراتي سوف ابدأ بعشرية العمل في حكومة قطر من 1974 -1982، حيث قضيت منها حوالي أربع سنوات في عمل نشط في المؤسسة العامة القطرية للبترول والشركات التابعة لها وخمس سنوات أخرى قضيتها في مزاولة نشاط أكاديمي متفرغا للبحث في جامعة هارفارد ومساهما من خلال جامعة قطر في التدريس وتعزيز جهود البحث ونشر ثقافة التنمية في قطر والمنطقة. وشاركت خلال هذه الفترة في تأسيس منتدى التنمية في دول مجلس التعاون عام 1979 وأسست مشروع دراسات التنمية في جامعة قطر عام 1980 وساهمت في عدد من الندوات والمؤتمرات والأنشطة الأكاديمية الأخرى ونشرت عددا من البحوث والكتب.

وفي العشرية التي تلتها بين عامي 1982و 1992 وبعد إبعادي من جامعة قطر عدت إلى موقعي السابق مُبعَدا ومبتعدا عن العمل الحكومي الذي لم يعد باستطاعتي من خلاله تقديم خدمة وطنية عامة. وقد تركز نشاطي العام بعد أن تركت أو بالأحرى تركني العمل الحكومي في تنسيق نشاط منتدى التنمية إضافة إلى تأسيس الجماعة العربية لتعزيز جهود إيقاف الحرب العراقية الإيرانية عام 1986 وإنشاء الجماعة ألأهلية لتعزيز التضامن العربي. كما امتد نشاطي في عام 1988 للمشاركة في تأسيس لجنة قطر الأهلية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية. وفي أواخر هذه الحقبة بدأت مع الزميل رغيد الصلح رحمه الله وغفر له عام 1991 بتأسيس مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية الذي اتخذ من أكسفورد مقرا له.

******

وفي عام 1992 أعادتني السلطة بالكامل إلى وضع الإقصاء السابق عندما منعت من السفر لأول مرة حتى أواخر عام 1995 وتلت ذلك عقوبات أخرى بسبب توقيعي مع عدد من الشباب القطري على عريضة تطالب بالإصلاح في قطر. وبهذه الحقبة من أنشطتي التي بدأت بالمشاركة في العمل الرسمي وانتهت بالعودة لوضع الإقصاء من العمل الرسمي، بل المنع من السفر وعودة العقوبات الاقتصادية ينتهي الجزء الثاني هذا من مذكراتي  العوسج 2) الذي يحمل عنوان فرعي "عودٌ على بدْء ".

 

1-1ملاحظات وانطباعات عند عودتي للوطن

 

 

في أواخر عام 1974 عدت إلى قطر في ظروف الطفرة النفطية الأولى وما ترتب عليها من مواجهة بين الدول المصدرة للبترول والدول المستهلكة له وكانت سببا في إنشاء وكالة الطاقة الدولية من قبل الدول المستهلكة للنفط لمواجهة الأوبك وإعادة هيمنة الدول المستهلكة وشركات النفط الكبرى على سوق النفط وأسعاره مرة أخرى. كما امتدت المواجهة فيما بعد إلى النطاق الدبلوماسي في الأمم المتحدة عندما استطاعت الدول العربية تمرير قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يساوي بين الصهيونية والعنصرية.

جاءت عودتي إلى قطر في زمن الطفرة النفطية الأولى وما أدت إليه من ارتفاع حجم عائدات النفط للدول المصدرة له إلى أكثر من ستة إضعاف ما كانت عليه في مطلع عام 1973. وقد صاحب تلك الزيادة في عائدات النفط توسع الدول المصدرة للنفط بشكل عام ودول الخليج العربية على وجه الخصوص في أوجه الإنفاق عامة ومنها الإنفاق لتحسين مستويات المعيشة فيها. كما زاد اتجاهها لتقديم مزيد من المعونات للدول العربية غير النفطية في أطار توجهات تكامل اقتصادي عربي. وقد ظهرت بوادر الجدية على هذا الاتجاه إثر حرب أكتوبر 1973 والمقاطعة النفطية اللذين ساهما في ارتفاع أسعار النفط.

******

كنت عند عودتي ونتيجة لرفع منع العمل عني في الحكومة وفي قطاع النفط الذي استمر من عام 1963 إلى عام 1973، راغبا في العمل في مجال النفط والتنمية في وطني بعد أن كتبت رسالة الدكتوراه التي استغرقت ثلاث سنوات قضيتها في تقيم السياسات النفطية لأمارات الخليج العربي مع اقتراح سياسات جديدة في مجال تخصيص عائدات النفط وضرورة تقليل الاعتماد عليها. وذلك من خلال ربط صادرات النفط بالقدرة الاستيعابية المنتجة ومتطلبات بدء عملية تنمية مستدامة.

وقبل عودتي بعامين صادف أيضا قيام "الحركة التصحيحية" عام 1972 في قطر وإعلان الحاكم الجديد الشيخ خليفة بن حمد نيته للإصلاح وبناء دولة حديثه وتحقيق مشاركة سياسية أفضل تبدأ بانتخاب مجلس شورى انتخابا عاما سريا ومباشرا بعد عام من قيام "الحركة التصحيحية" وفقا لما جاء في النظام الأساسي المؤقت المعدل لعام 1972. هذا إضافة إلى قيام الديوان الأميري بدراسة هامة حول بناء الدولة أعدها كل من الدكتور ايلي سالم الذي أصبح وزيرا للخارجية في لبنان والدكتور مروان اسكندر من الجامعة الأميركية في بيروت. وذلك بعد إصدار حكومة قطر عدد من التشريعات واتخاذ إجراءات عملية بهدف التحضير لعملية بناء الدولة، منها دراسة إصلاح الإدارة العامة الذي كلفت بالقيام به شركة الوسائل الإدارية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت.

كما توجهت "الحركة التصحيحية " أيضا في بداية عهدها إلى زيادة الاعتماد على الكوادر القطرية من خريجين الجامعات لاسيما في وزارة الخارجية وفي الجيش والشرطة وقطاع النفط. وحرصت السلطة أيضا على إنهاء سياسة الإبعاد والمنع من العمل وسائر العقوبات الإدارية التي طالت نشطا حركة 1963 ومؤيديها.

وقد شملني كما سبقت الإشارة، رفع المنع من العمل في الحكومة وشركات النفط وأصبحت عند عودتي مرشحا لتولي وظيفة في المؤسسة العامة القطرية للبترول قبل أن تبدأ نشاطها حيث تم تأسيسها في شهر تموز/يوليو 1974 بموجب مرسوم بقانون رقم (10) لسنة 1974"بغرض الاشتغال بصناعة البترول، في قطر وفي الخارج، في كافة مراحل هذه الصناعة ".

فبعد عودتي بأسابيع قليليه أبلغني رسميا الأخ عيسى الكواري رئيس الديوان الأميري ووزير الإعلام أن الأمير يرغب في التحاقي بالمؤسسة العامة القطرية للبترول للاستفادة من دراستي. وفهمت بشكل غير مباشر أن هناك تفكيرا في أن أتولى منصب المدير العام في المؤسسة التي لم يكن قد خصص لها مبنى ولم يتم توظيف أحد فيها بعد بل كان مجلس إدارتها الذي يرأسه وزير المالية والبترول أبن الحاكم، عبد العزيز بن خليفة هو الذي يتولى تصريف الأمور وتعين الموظفين وتهيئة مبنى مناسب للمؤسسة. وقد اقترح علي الوزير أن أداوم في مبنى وزارة المالية مؤقتا حيث يقع مكتب الوزير، في مكتب منعزل عن أدارة شؤون البترول خصص لي حتى يتم تجهيز مقر المؤسسة وإصدار التعيينات الرسمية.

******

بدت قطر لي عند عودتي في خريف عام 1974 متحفزة لدخول عهد جديد تتوفر فيه للمواطنين فرصة المشاركة في عملية البناء. وكان معظم من تخرج بعدي من الجامعة يتولون مناصب رئيسية في الإدارة العامة وفي وزارة الخارجية بينهم معظم السفراء ومديري الإدارات في وزارة الخارجية ومنهم شقيقي يوسف الذي تخرج من قسم الاجتماع بجامعة بغداد عام 1971 وأصبح مديرا للإدارة الاقتصادية والثقافية في وزارة الخارجية بعد أن عمل مدة قصيرة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

وأيضا وجدت كل أصدقائي ومن أسميهم "طيف نادي الطليعة" ومنهم أحمد الخال والدكتور عبد الله الباكر زميليٌ في التوقيع على بيان القاهرة عام 1963 اللذين ظلا مفصولين من البعثة وممنوعين من العمل مثلي حتى قيام الحركة التصحيحية وكذلك غيرهم من الوطنيين في قطر. فقد رفع الحظر عنهم وتولوا مناصب حكومية أو التحقوا ببعثات الدراسات العليا.

******

فوجئت عند عودتي عام 1974 بتوسع مدينة الدوحة وضواحيها في غضون أربعة أعوام. ولاحظت تحسن الخدمات العامة وارتفاع مستوى معيشة السكان وتدنى مستوى البطالة بين القطريين الطالبين للعمل.

تضاعف حجم مدينة الدوحة وملئت حدودها المنطقة الواقعة بين الدائري الثاني والدائري الثالث وتضاعفت أسعار الأراضي عدة مرات واضطرت الدولة لدفن منطقة كبيرة من البحر في منطقة الخليج الغربي (الدفنة) كان أول ما شيد عليها هو فندق شيراتون والمنطقة الدبلوماسية حيث أقيمت بعض السفارات. وذلك من أجل الحد من حاجة الحكومة لشراء الأراضي التي ارتفع ثمنها بشكل مبالغ فيه داخل وخارج منطقة التخطيط العمراني.

شيدت طرق رئيسية جديدة وأحياء جديدة وأصبح البيت الشعبي متاحا لكل مستحقيه بمجرد طلبه بعد أن كان الانتظار يبلغ عدة سنوات. وكذلك تم التوسع في إسكان كبار الموظفين القطريين وأقيم حي بل مدينة كاملة لهم في منطقة الدفنة وعين مكتب هندسي حكومي يرأسه المهندس المعماري القطري المتميز حمد مبارك بو نجوم السليطي ليشرف على بناء مساكن كبار الموظفين القطرين. كما انتظم إنتاج الكهرباء وتدفق المياه للمساكن وأصبحا مجانا لكل القطرين بعد أن كانت الكهرباء تنقطع باستمرار والماء لا يجري ألا في أواخر ساعات الليل كما سبق وأشرت في الجزء الأول من "كتاب العوسج".

******

باختصار وجدت قطر بشكل عام ومدينة الدوحة خاصة وسكانهما في حال معيشي ونفسي أفضل من الحال الذي تركتها عليه عام 1971. وذلك بفضل الطفرة النفطية الأولى وتضاعف عائدات الحكومة من النفط إضافة للتوجهات التي تبنتها الحركة التصحيحية في بدايتها.

ولكنني مع الأسف لاحظت أيضا أن العطايا والهبات قد كثرت وكبر حجمها وارتفعت المخصصات الشخصية لأفراد العائلة الحاكمة وتمادت وزارات الدولة وأجهزتها في التوظيف دون حاجة. إذ تحصل كل وزارة على كل ما تطلبه من وظائف بعد أن كان من عادة السيد داود فانوس رئيس شؤون الموظفين في الحكومة أن يخفض طلبات كل وزارة من الموظفين إلى أكثر من النصف قبل الطفرة النفطية.

كما بالغت وزارات الحكومة وأجهزتها في التوسع والصرف بتشجيع من الحكومة. وكان من لم يصرف ميزانيته بالكامل من الوزراء يتهم بالتلكؤ كما قيل إن مدير إدارة المالية السيد عبد القادر القاضي قد وصف وزارة الأشغال بالتهاون عندما لم تتمكن من صرف الميزانية المخصصة لها بسبب حاجة المشروعات للدراسة وأجراء المناقصات بدلا من أن يشكر القائمين على الوزارة على حرصهم.

مع الأسف كانت النظرة العامة إلى ما شهدته أسعار النفط من ارتفاع كبير عام 1973 وكأنه ارتفاع سنوي منتظر الأمر الذي جعل قطر وبقية الدول المصدرة للنفط تعيش أزمة مالية اعتبارا من عام 1977 بعد الطفرة النفطية الأولى بأربع سنوات فقط.

وقد أحزنني أيضا استمرار أوجه الخلل المزمنة بشكل عام بل تفاقمها، دون ظهور بوادر حقيقية لإصلاحها. وأزعجني بشكل خاص تفاقم الخلل السكاني نتيجة التوسع في الاستهلاك التفاخري وتدفق الوافدين للعمل من كل حدب وصوب دون ضوابط ومعايير، ودون حاجة تنموية لتدفقهم بالكم والنوع الذي كان سائدا. من هنا كانت أوجه الخلل المزمنة عامة والخلل السكاني خاصة مثيرة للقلق الذي عبرت عنه في بحوثي خلال تلك الفترة وكنت أحاول أن أنقل الشعور به إلى أصدقائي ومعارفي ومن أنا على صلة بهم.

وفي إحدى المرات كنت أتحدث عن الخلل السكاني مع أكثر الأصدقاء قربا مني وهو راشد محمد الخاطر الذي كان يعمل في وزارة الداخلية آنذاك قبل أن يصبح عضوا في مجلس الشورى. كان راشد يمر علي في البيت في بعض الأمسيات وأخرج معه للمشي والحديث في كافة الشؤون والشجون ومن بينها خطر الخلل السكاني الذي أراه يتفاقم أمامي. وذات مرة غضب مني راشد قائلا: "آتي إليك لتخفف عني الهموم بالحديث المسلي معك، وأنت تركز دائما على الخلل السكاني وتزيد من همومي". فقلت له: "معذرة يا أبو محمد فالخلل السكاني يقلقني وأنا أحاول أن أنقل القلق إليك وإلى كافة الأصدقاء والمعارف من اجل أن نعمل بقدر المستطاع على ترشيد سياسات الاستقدام. ويبدو أنني لن أتوقف عن اعتبار الخلل السكاني من الموضوعات التي أجد نفسي دون قصد أتحدث إليك ولأمثالك من الأصدقاء عنها إلى أن ينتقل هذا القلق إليهم واليك وتخبرني أنك قد فكرت بالمشكلة في الليل قبل أن تنام وأرقتك. وعندها أعدك بأنني لن أركز على الخلل السكاني بعد أن يصبح موضوعا يقلقك وتشاركني حمل همومه الثقيلة.

******

في ضوء ما لمسته من تحسن أوضاع أهل قطر المعيشية والوظيفية عند عودتي وما لاحظته من تغيرات سلبية وايجابية بدأت دوامي في المكتب المؤقت الذي خصص لي في وزارة المالية في انتظار تعيني رسميا في المؤسسة الذي تأخر لعدة أسابيع لم أضيعها في الانتظار وإنما بدأت أقرأ ما تيسر لي من تقارير متاحة وأتحدث مع بعض موظفي إدارة شؤون البترول في وزارة المالية حول شؤون وشجون النفط في قطر وفي الدول الأعضاء في الأوبك كما أتابع التغيرات المتلاحقة في صناعة النفط في العام الأول من الطفرة النفطية الأولى. وقد ساهمت مع مكلفين في مجلس إدارة المؤسسة بالتعيينات ومقابلة بعض المدراء المنتظر تعينهم في المؤسسة.

وبعد عدة أسابيع من دوامي في المكتب المؤقت اجتمع مجلس الإدارة وأقرّ التعيينات في المؤسسة وعينت وكيلا لمدير إدارة التسويق والنقل في المؤسسة ورئيسا لقسم البحوث فيها أحمل الرقم (2) دون إن يكون هناك مدير لإدارة التسويق. كما لم يتم أيضا تعين مدير عام للمؤسسة وإنما أوكلت مهمة المدير العام إلى لجنة تسيير من أعضاء مجلس الإدارة المتنافرين والذين يطمع أغلبهم في تولي منصب المدير العام في المؤسسة.

 وبذلك تم تأجيل تعيين مدير عام للمؤسسة طوال الخمس سنوات التي قضيتها في العمل لديها الأمر الذي عطل الدور القيادي للمؤسسة العامة القطرية للبترول في قطر والخارج – بفعل فاعل - وجعلها عاجزة عن وضع استراتيجية وتبني سياسات وخطط وبرامج لتحيق غرضها باعتبارها الشركة ألآم في قطاع النفط. وبذلك اقتصر عمل كل إدارة من الإدارات على مبادرات مديرها وصلته بمتخذي القرار في الدولة.

وفي تقديري أن ذلك التريث أو التأجيل كان نتيجة توجهات ومشورة مستشار الحكومة ونائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة الدكتور حسن كامل، الذي كان يرى استمرار الاعتماد على الموظفين المعارين من شركات النفط الاجنبية التي امتلكتها حكومة قطر بالكامل وحولت ملكيتها للمؤسسة العامة القطرية للبترول.

وجدير بالذكر أن حسن كامل رحمه الله ا كان يتمتع بثقة الأمير المطلقة حسب ملاحظتي، وهو الوحيد الذي كان يطلق عليه صفة المستشار، ربما محاولة منه في مقارنة دوره بدور المستشار الانجليزي السابق. ولذلك فهو الوحيد في حكومة قطر الذي استمر يحمل حتى وفاته مسمى مستشار، بينما كان كل من عداه من العاملين في الحكومة مجرد خبراء وموظفين.

 

1-2 العمل في المؤسسة العامة القطرية للبترول

 

 

في مطلع عام 1975 انتقلت من المكتب المؤقت في وزارة المالية إلى مقر المؤسسة العامة القطرية للبترول في بناية المرسيدس في منطقة مشيرب مقابل مبنى إدارة الكهرباء القديم وكان في المبنى عندما انتقلت إليه عدد من الموظفين أحدهم اسمه محمد انضم للمؤسسة بعد أن كان مديرا لبنك عمان في قطر. كان الأخ محمد ممن يمرون على المكاتب ينقلون أخبار التوظيف ومستويات الوظائف والرواتب في المؤسسة وغيرها ربما لأنه يشعر بأنه في مستوى وظيفي أقل من وظيفته السابقة. بدأ الزميل محمد ينقل لي أن فلان وعلان عينا في وظيفة أرقى من وظيفتي وبراتب أعلى من راتبي مما جعلني ارثي لحالي واشعر أن الوظيفة والراتب الذي أتقاضاه أقل من رواتب ومناصب عدد ممن تخرجوا من الجامعة بعدي بسنوات.

كدت أن أثير قضية ذلك الغبن كما صوره لي الأخ محمد وكنت أحسه في نظرة آخرين شامتين أو متعاطفين معي لولا أنني تداركت الأمر وتعوذت من الشيطان واستكثرت على نفسي أن ابدأ تجربة العمل الجديد بمطالبات مادية ومسميات وظيفية فقد كانت رغبتي وموافقتي على العمل في المؤسسة تعود إلى أن هذا المجال هو الأقرب لاختصاصي ومحط اهتماماتي.

وعندما عاد الأخ محمد لزيارتي اعتذرت عن استقباله وقلت له وأنا واقف بعد أن سلمت عليه: يا أخ محمد لقد أفسدت علي بما تنقله من أخبار الرضى الذي أشعر به والحماس الذي أرغب بدء عملي به. وحذرته مازحا: لا تدخل مكتبي بعد اليوم بهدف نقل ما يدور في الكواليس فأنا غني عن تلك الأخبار وراض عما أنا فيه من مستوى وظيفي وراتب.

وعلى ما أذكر لم يكن تعيني مديرا لقسم البحوث ووكيلا لإدارة التسويق والنقل دون وجود مدير لها وصرف النظر عن تعيني مديرا عاما للمؤسسة - كما قيل لي بشكل غير رسمي – أمرا محبطا ولم يؤثر على حماسي للعمل في المؤسسة وذلك لعلمي بطبيعة تفكير من يتخذون القرار وحاجتهم لأن يطمئنوا لجانبي فأنا لست ‘مواليا‘ حسب تصنيف السلطة.

هذا فضلا عن رغبتي في مزاولة العمل في المؤسسة وهي الجهة الحكومية الأقرب لتخصصي ولاهتماماتي، لعلني أستطيع تطبيق بعض نتائج الدراسة التي قمت بها في مجال اقتصاد النفط وعلاقته بالتنمية. لذلك انصرفت منذ اليوم الأول من تعيني في التفكير الجدي في مهمات تسويق النفط القطري، النشاط الجديد الذي لم تكن حكومة قطر تزاوله وإنما كانت تعتمد على شركات النفط الأجنبية العاملة في تسويق حصتها منه بعد أن امتلكت الحكومة 40% من رأسمال شركات النفط العاملة في البلاد.

******

بدأت نشاطي في إدارة التسويق والنقل بالبحث عن موظفين مناسبين لإدارة التسويق من خريجين قطرين ومن خبراء في مجالات تسويق ونقل النفط. وقد استغرق ذلك النصف الأول من عام 1975. كما اتجه تركيزي بعد فترة من مزاولة العمل نحو البحث عن سياسة مناسبة في المدى المتوسط لتسويق النفط مباشرة للبلدان والمصافي المهيأة لتكرير النفط الخفيف الذي تصدره قطر بدل تسويقه من خلال وسطاء في الداخل والخارج.

فمثل تلك السياسة كفيلة بضمان أسواق مستقرة للنفط القطري في وقت بدأ فيه الضغط على صادرات الدول الأعضاء في الأوبك بقصد تخفيض الأسعار. هذا إضافة إلى إنها سياسة سوف تساعد إدارة التسويق في الابتعاد عن شبهات التعامل مع وسطاء وسماسرة داخل قطر وخارجها سبق قبل مجيئي أن أثيرت حولهم شبهات الرشاوى والعمولات التي كشف تحيق في الكونغرس الأميركي بعضا منها.

ولمواجهة مشكلة الرشاوى والفساد اتخذنا قرارا في إدارة التسويق بعد موافقة وزير النفط على أن نتبنى تعهدا نطلب توقيعه من كل شركة نفط تشتري النفط القطري. ينص التعهد على إن الشركة ليس لها وكيلا في قطر ولم تدفع عمولات ذات علاقة بشراء النفط من المؤسسة العامة القطرية للبترول وإذا ثبت أنها فعلت فإن من حق المؤسسة الرجوع عليها بكافة الأضرار المادية والمعنوية. وحسب علمي أستمر هذا التعهد معمولا به لعدة عقود ولا أعرف مصيره في الوقت الحاضر.

وجدير بالتأكيد أن سعيي للمحافظة على مستوى صادرات قطر من النفط الخام يعود بالدرجة الأولى إلى أن تأثيرات التراجع في صادرات قطر وغيرها من الدول المصدرة للنفط تتعدى تراجع العائدات النفطية أو خط الميزانية كما اصطلح على تسميته، حيث سينسحب تأثيره على إنتاج الغاز المصاحب أو خط إنتاج الغاز الذي توسعت قطر وسائر الدول المصدرة للنفط في استخدامه في إنتاج الكهرباء والماء وأقامت عليه مصانع بتروكيماويات وصهر معادن إضافة إلى فصل سوائل الغاز عن بعضها للاستخدام المحلي وللتصدير.

وكل هذه الاستخدامات الحيوية تعتمد على تدفق الغاز المصاحب الذي لا ينتج إلا إذا أنتج الزيت. وقد مثل خط الغاز مشكلة ضاغطة على أسعار النفط وكمية إنتاجه في المدى القصير عندما بدأت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية تنجح في ترشيد استهلاك الدول الأعضاء فيها من الزيت المستورد وتقليل حاجة كل منها لاستيراد الزيت من الدول الأعضاء في الأوبك خاصة، وفقا لاستراتيجية وكالة الطاقة الدولية.

وأذكر أن قطر كانت مهتمة بالدفاع عن أسعار النفط ومستعدة لتخفيض إنتاجها منه غير قلقة على تمويل ميزانيتها بسبب ما تكون لديها من احتياطي نقدي عام من فوائض النفط. ولكن قطر في مرحلة لاحقه واجهت مشكلة خط الغاز عندما تراجعت الصادرات بشكل كبير وامتلأت خزانات تصدير الزيت الخام وتراجع إنتاج الغاز المصاحب للنفط مهددا إنتاج الكهرباء والماء وتشغيل المصانع المستخدمة للغاز المصاحب من الحقول البرية.

كان علينا في إدارة التسويق الناشئة أن نتعاون مع مختلف المعنيين بإنتاج النفط في الحقول البرية خاصة ومستخدمي الغاز في الداخل من أجل مواجهة نقص الغاز المصاحب بترشيد حجم استهلاك المستخدمين له لاسيما محطات إنتاج الكهرباء والماء، وكذلك حفر آبار جديدة ينتج منها غاز حر غير مصاحب لإنتاج النفط من حقل "الخف" في "دخان" المخصصة احتياطه من الغاز الطبيعي غير المصاحب لتزويد مصنع الحديد والصلب.

ولعل بروز دور إدارة التسويق أثناء تصاعد هذه الأزمة جعل الأمير يستدعيني لمعرفة حدود الأزمة والحلول المطروحة للتخفيف منها في مجال زيادة قدرتنا على تسويق النفط القطري وكذلك العمل مع الآخرين من أجل تقليل حاجة مستهلكي الغاز الطبيعي المصاحب في قطر له من خلال اللجوء إلى وقود بديل وترشيد استهلاكهم من الغاز دون تأثير على خطط الإنتاج لديهم. ولعل لقاءاتي المنتظمة بعد ذلك مع الأمير قد سهلت عليّ مهمة تسويق النفط وأتاحت لي الاقتراب من تطلعات الأمير ومحددات اتخاذ القرار الضاغطة عليه.

******

وأذكر أنني في ظروف أزمة تراجع صادرات النفط من الدول الأعضاء في الأوبك قد حضرت مع الوفد القطري الاجتماع الوزاري لأوبك في فيينا خلال الربع الثالث من عام 1975. وكان ذلك أول اجتماع احضره مع وزير النفط وأول اجتماع وآخر اجتماع من اجتماعات الأوبك أشارك فيه بسبب الصدمة التي سببها ذلك الاجتماع لي عندما تجسد القول المأثور "سمعك بالمعيدي خير من أن تراه "!

 لقد وجدت الأوبك في صورة مختلفة عن صورتها المتماسكة التي تعرفت عليها عام 1970 أيام دراستي عندما كانت تهتم بتمكين الدول الأعضاء من السيطرة على مواردها النفطية في مواجهة شركات النفط الأجنبية صاحبة الامتياز. كما كانت تعمل على تعزيز جهود الدول الأعضاء فيها للحصول على نصيب أكبر من عائدات النفط إلى جانب الاستفادة من إمكانيات الدول الأعضاء الصناعية ودمج النفط في اقتصادها الوطني من خلال إقامة شركات نفط وبترو كيماويات وطنية فاعلة.

وجدت الأوبك قد أصابها الوهن ونالت من أرادتها غيبوبة النصر الخادع وبوادر شيخوخة مبكرة، فرحة بانتقال قرار تحديد السعر المعلن للنفط إليها بعد أن كانت تقوم به شركات النفط الكبرى. فقد بدأ وزراء النفط يتمخترون ويتغنجون ويتكبرون نجوما أمام وسائل الإعلام حاصرين اهتمامهم في أسعار النفط وزيادتها بنسبة 5% أو 10% أو عدم زيادة أسعار النفط دون التعاون فيما بينهم على توفير ما يساعد كلا منهم على تقليل حاجة دولته لتصدير النفط الخام في المدى المتوسط.

كان نقاش الوزراء يدور في معزل عن الواقع وعن معطيات وإبعاد استراتيجية وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول المستهلكة للنفط، ودون تعرضهم لضرورة وجود استراتيجية لدى الأوبك تهدف لتنويع مصادر الدخل في الدول الأعضاء والتعاون فيما بينهم بما يقلل حاجة الدول الأعضاء في الأوبك لتصدير النفط الخام عامة وتصديره على وجه الخصوص للدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية كما هو الحال في الدول الأعضاء بوكالة الطاقة الدولية التي يلتزم كل منها بتقليل حاجته لاستيراد النفط الخام بشكل عام وتخفيض حاجته لاستيراده من الدول الأعضاء في الأوبك على وجه الخصوص.

لذلك لم يكن في اجتماع الوزراء تداول في الرأي ولما يجب عمله لمواجهة استراتيجية وكالة الطاقة الدولية لأن الوزراء كانوا يتصرفون وكأنها غير موجودة. ولم تكن هناك حسب علمي دراسة معروضة على الاجتماع تبين أسباب تراجع صادرات النفط والضغط على أسعاره.

ولم يكن هناك أيضا طرح منطقي للمطلوب من الدول الأعضاء في الأوبك بخصوص تخفيض حاجتها لتصدير النفط الخام من خلال ترشيد إنفاق عائدات النفط وتنويع مصادر دخلها عبر عملية تنمية مستدامة تتعاون من أجل تحقيقها الدول الأعضاء وتساعد بعضها بعضا في تنمية أدارة قطاع النفط وتوثيق ارتباطه بعملية تنمية مستدامة، تقلل حاجتها تدريجيا لتصدير النفط الخام وتحافظ في الوقت نفسه على استقرار سوق النفط والحصول على أسعار اقتصادية عادلة للنفط المصدر في المدى الطويل.

لقد بدأ لي من خلال ما استمعت إليه من نقاش سطحي بين الوزراء أن القوم غير مدركين أو غير راغبين في إدراك خطورة استراتيجية وكالة الطاقة الدولية ربما لأن البعض منهم يعمل على إنجاح تلك الاستراتيجية أو التقاضي عنها تحت الضغوط السياسية من الدول الغربية المؤثرة على سياسة دولهم. وحمدت الله على أن حضور اجتماعات الأوبك ليس من اختصاص إدارة التسويق والنقل في المؤسسة العامة القطرية للبترول بل هي من اختصاص إدارة شئون البترول في الحكومة ولن أضطر لحضور تلك الاجتماعات بحكم وظيفتي.

ولعل اهتمامي قد بدأ منذ ذلك الاجتماع الوزاري الكاشف بوكالة الطاقة الدولية واستراتيجيتها المعلنة التي تجاهلها الوزراء ولم تتابعها الأمانة العامة لمنظمة الأوبك الأمر الذي أدى إلى تراجع صادرات الدول الأعضاء في الأوبك من النفط في منتصف ثمانينيات القرن الماضي مقارنة بمطلعها إلى النصف وإلى هبوط أسعار النفط إلى ثلث ما كانت عليه. وقد دفعني ذلك لاحقا إلى أن أتعرض في بحث لي لاستراتيجية وكالة الطاقة الدولية نشر في مجلة "المستقبل العربي" وأعدت نشره في الطبعة الثانية من كتاب "العين بصيرة" ومن ثم نشره على موقعي الإلكتروني.

******

 عدت محبطا من اجتماع الأوبك وفقدت الأمل فيها. فالأوبك كما يقال عن كل منظمة سلسلة قوتها من قوة اضعف حلقة فيها وتخضع لضغوط الدول المستهلكة وما أكثر الحلقات الضعيفة في سلسلة الأوبك!

ولكن الله عوضني عن إحباطي هذا بزيارة المدينة التي تصفها أسمهان في أغنية جميلة لها بأنها ‘قطعة من الجنة‘ بولادة ابني خليفة في فيينا بتاريخ 28 سبتمبر 1975 أثناء وجودي هناك. فعندما طلب الوزير مني أن أشارك في الوفد القطري لحضور الاجتماع الوزاري فيها اعتذرت منه بسبب انتظاري ولادة زوجتي. فما كان منه إلا أن اقترح علي أن آخذ عائلتي معي إلى فيينا. وكانت فكرة جيدة كنت احتاجها في ذلك الصيف الحار في قطر بعد عمل جديد وشاق استمر حوالي عام.

اصطحبت زوجتي وابنتي ضحى وهند ابنة شقيقتي معي إلى فيينا. وسافرنا عن طريق بيروت على طيران الشرق الأوسط الذي كان من أفضل خطوط الطيران العربية آنذاك. وأقمنا في بيروت بضعة أيام في فندق الهوليداي إنْ الجميل المتألق في ذلك الوقت قبل أن يصبح علامة بارزة في خط التماس في الحرب الأهلية اللبنانية المؤسفة التي أنزلق إليها لبنان واستمر رهينة لها طوال خمسة عشر عاما وما زالت آثارها المدمرة للنسيج الوطني باقية حتى الآن.

 

 

1-3 بناء إدارة التسويق والنقل والانطلاق منها

 

في مطلع شهر أكتوبر 1975 عدت مع العائلة من فيينا إلى الدوحة بعد مشاركتي في الاجتماع الوزاري لأوبك وقضاء إجازة خاصة في انتظار ولادة مباركة جاءت في وقتها المقدر. قضينا الإجازة في فندق إنتركونتننتال في مدينة فينا بصحبة الأصدقاء فهد بن فهد الخاطر الذي عين لتوه سفيرا لقطر في النمسا ويقيم مؤقتا في الفندق مع عائلته. وكذلك سعدنا بالتعرف على خالد بن سلمان الخاطر وزوجته نور بنت محمد الخاطر اللذين كانا يقضيان شهر عسل في فيينا.

عدنا حاضنين خليفة في مهده فرحين به: هند بنت ناصر العطية ابنة شقيقتي ونحن عائلته الصغيرة أم خليفة وضحى التي أصبحت تذكّرني كلما اشتدت غيرتها من القادم الجديد الذي استحوذ على نصف الاهتمام وشاركها في محبة أمها ومحبتي واهتمام عائلتينا. أخذت ضحى تذكّرني بأنها "بنتي العوده" أي ابنتي الكبرى كي لا ننساها في زحمة الاحتفاء بقدوم خليفة. وكان الاحتفاء بخليفة هو ما استقبلتنا به أسرة جدها عبد الله بن سعد المناعي وأسرة والدي خليفة بن علي الذي أصبح ابني خليفة بن علي يحمل اسمه وأسم والده كما يحب لضمان استمرارية العائلة. وكانت فرحة شقيقي يوسف وشقيقاتي مريم ولولوه ونجلاء وأبناءهم كبيرة، كذلك كانت فرحة جدة خليفة هيا بنت حسين المناعي وجده وأشقاء زوجتي وشقيقتها فاطمة.

******

لاحظت بعد عودتي اهتمام الأمير بعملي وتكرار طلبه لي لمقابلته في مكتبه ليطمئن على سير عمل إدارة التسويق والنقل ويتطرق لموضوعات أخرى وكأنه يريد أن يتعرف عليّ أكثر ويعرف آرائي عن قرب والتي كنت أعبر عنها بصدق وأمانة دون تجميل أو تزويغ من أجل قبول وحظوة.

كذلك وجدت اهتماما من وزير المالية والنفط رئيس مجلس إدارة المؤسسة ومدير مكتبه الأخ مدحت عبد اللطيف وكذلك الزملاء في مكتب الوزير خطاب عمر الدفع الذي عين فيما بعد مديرا لجهاز الخدمة المدنية وعبد الله حمد العطية الذي تولى وزارة النفط ورئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامة القطرية للبترول لعدة عقود فيما بعد.

وفي هذه الفترة تمت ترقيتي إلى مدير إدارة التسويق والنقل الذي كنت أمارس صلاحياته بحكم كوني وكيلا لإدارة التسويق والنقل. كما صدر قرارا من مجلس الإدارة بتعيني عضوا في لجنة تسيير المؤسسة التي تقوم بمهمات المدير العام الشاغر منصبه وتتكون من أعضاء مجلس إدارة المؤسسة عيس بن غانم الكواري رئيس الديوان الاميري ووزير الاعلام وعلي الجيداه مدير إدارة شؤون البترول ونائبه عبد الله حسين صلات وسعيد المسحال مدير مركز التنمية الصناعية وطاهر الحديدي عميد كلية البترول في جامعة القاهرة سابقا وخبير البترول في إدارة شؤون البترول والمقرب من مستشار حكومة قطر الدكتور حسن كامل نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة. وكان كل واحد من الأربعة الرئيسين أعضاء لجنة تسيير المؤسسة يطمح أن يكون مديرا عاما وعضوا منتدبا للمؤسسة. وكانت تسود علاقاتهم روح التنافس على مزيد من السلطة والنفوذ في قطاع النفط منعتهم من التفاهم والاقتراب من القيام بمهمات المدير العام التي كلفت بها لجنة التسيير.

وانطلاقا من قناعتي وتجربتي بعد التكليف اعتذرت بعد مدة قصيرة عن عضوية لجنة التسيير. فقد تبين لي بشكل قاطع أنه لا يمكن أن تتولى "لجنة تسيير" وظيفة مدير عام شركة نفط تدعي أنها الشركة الأم لقطاع النفط Parent Company وغرضها العمل في جميع مراحل صناعة النفط في داخل قطر وخارجها وتتبعها كل شركات النفط العاملة في البلاد ويتوقع أن تؤسس الكثير من الشركات ألمتخصصة، حتى لو كان جميع أعضاء تلك اللجنة على قلب رجل واحد. فما بالك بلجنة تسيير تتكون من مجموعة من كبار موظفي حكومة يتنافسون على السلطة والنفوذ ولا يجمعهم تصور مشترك ولا تحكمهم استراتيجية وسياسة نفطية وخطة عمل مقررة؟ لذلك اعتذرت عن عضوية لجنة تسيير المؤسسة وبلّغت الأمير والوزير بأسباب اعتذاري.

******

بعد اعتذاري عن عضوية لجنة تسيير المؤسسة اتجهت للتركيز على عمل إدارة التسويق والنقل ونظرت لها كما أعتبرها الآخرون وكأنها وحدة مستقلة عن سلطة لجنة التسيير. وقد ساعدني في ذلك صلتي المباشرة النامية مع الأمير والوزير.

كنت منذ مطلع عام 1975 قد بدأت بتعين خرجين قطرين باحثين في الإدارة مع تهيئة كل منهم لرئاسة قسم من أقسام إدارة التسويق والنقل وقلت لهم إن رئاسة الأقسام محجوزة لهم وسيتولونها بعد أن يتم تأهيلهم. وقد تم فعلا تعيين الزميل إبراهيم نوح المطوع بعد تأهيله من خلال الدورات والالتحاق بشركات نفط نتعامل معها لرئاسة قسم التسويق وعين جاسم النعمة بعد تهيئته لرئاسة قسم النقل. كما سبق تعيين السيد خميس السويس في إدارة التسويق والنقل وهو سكرتير عربي متميز كان يعمل في شركة شل ومن خريجي معهد سكرتاريا تابع للأمم المتحدة في غزة وسكرتير هندي كفء آخر اسمه فرانسيس وعدد من الموظفين والموظفات الإداريين.

وفي عام 1976 استكملنا تعيينات عدد من خبراء واختصاصي التسويق والنقل وتعيين عدد من الخريجين القطرين منهم أحمد السالم وسلطان البن علي والأخت العزيزة أنيسة الزبيدي أول قطرية التحقت بالمؤسسة. كما تمت ترقية إبراهيم نوح المطوع لرئاسة قسم التسويق وجاسم النعمة لرئاسة قسم النقل وانطلقت إدارة التسويق في عملها الجدي المهم لتسويق الزيت الخام وسوائل الغاز لأول مرة في قطر بعد أن كانت شركات النفط الأجنبية هي التي تقوم بتلك المهمة نيابة عن حكومة قطر.

ومن أولى المهمات التي قمنا بها عندما بدأ كادر إدارة التسويق بالاكتمال دراسة حصر للشركات المستوردة للنفط التي تمتلك مصافي مناسبة لتكرير النفط القطري الخفيف لضمان تصديره إلى جهات قد صممت مصافيها لتكرير الزيت الخفيف بحيث نضمن على الأقل تصدير النفط القطري عند تراجع صادرات الأوبك المنتظرة، بمعدل يغطي الحاجة المحلية لإنتاج الغاز المصاحب للنفط على الأقل.

 وكما أسلفنا فقد طبقنا كذلك إجراء يتعهد بموجبه كل مستورد للنفط القطري خطيا يؤكد لنا فيه بأنه لم يتخذ له وسيطا في قطر أو في غيرها من أجل شراء النفط من المؤسسة العامة القطرية للبترول ولم يدفع عمولة بأي شكل من الأشكال لأي أحد مقابل شرائه النفط من قطر وإذا ثبت أنه قد فعل فإن من حق المؤسسة الرجوع عليه بكافة الأضرار المعنوية والمادية.

وجدير بالذكر أن أحد أصحاب النفوذ في قطر طالب إحدى الشركات اليابانية الكبرى المشترية للنفط القطري بعمولة باعتباره وكيلا لها في استيراد بضائع تجارية من اليابان. وقد أثبتت الشركة اليابانية لنا أنها لم تتخذه وكيلا لشراء النفط من قطر ولم تدفع عمولة له مقابل شرائها النفط القطري. وكسبت الشركة اليابانية القضية المرفوعة ضدها في المحاكم القطرية بحكم منعها قانونيا من قبل إدارة التسويق والنقل في المؤسسة القطرية العامة للبترول من اتخاذ وكيل أو دفع عمولة مقابل شراء النفط القطري.

ولمواجهة الضغوط التي أصبحنا نتعرض لها أيضا في تسويق سوائل الغاز LPG والحصول على السعر المناسب له بدأنا في إدارة التسويق والنقل بالتنسيق الودي مع وزارة النفط في الكويت من أجل المحافظة على سعر عادل لصادرات سوائل الغاز وعدم تشجيع المشترين لسوائل الغاز الانتقال لشرائها من بلد ما من أجل الضغط على بلد أخر وتخفيض أسعاره المتفق عليها لبيع سوائل الغاز.

ومن المعروف أن الأوبك معنية بسعر الزيت ولا تهتم بسعر الغاز الطبيعي وسوائل الغاز لذلك بدأنا التنسيق مع الكويت التي كان يمثلها وكيل وزارة النفط المساعد ثم امتد التنسيق عن طريق الكويت إلى إيران واستطعنا نحن مصدري سوائل الغاز في الخليج بمجرد تبادل المعلومات بيننا منع المشترين لسوائل الغاز من التلاعب بأسعاره من خلال المضاربة بين مصدريه.

وأذكر أننا في قطر كنا في ذلك الوقت على صلة بالوكيل المساعد علي الجابر الصباح في وزارة النفط الكويتية وزملائه القائمين بتسويق النفط في الكويت. وقد زارني علي الصباح بشكل شخصي في قطر وزرته بالكويت وتعرفت على الأخ المثقف عيسى العصفور والصحفي محبوب العبد الله من خلاله. كما عقدنا اجتماعا لمصدري سوائل الغاز في طهران للتنسيق والتعاون حبّيا بين مصدّريه. وحسب علمي أن هذا التنسيق والتعاون بين مصدري الغاز قد امتد ليشمل لاحقا دولا أخرى مصدرة للغاز الطبيعي وسوائله ومنها روسيا وما زال التنسيق مستمرا دون أن تثور حوله ضجة مثلما هو الشأن في حالة الزيت الخام الذي تختص به الأوبك.

******

بدأت السنة الثانية من عملي في المؤسسة العامة القطرية للبترول منهمكا في عمل ادارة التسويق والنقل ومتوجها لبناء إدارة التسويق بوضع سياسات تسويق ولوائح عمل وتكوين كادر يقوده قطريون ويستفيد من خبرات عربية وأجنبية في مختلف جوانب تسويق النفط ونقله. أصبح لدينا خبير في النقل من النرويج ذهبت بنفسي لمقابلته مع آخرين في أوسلو وقت كانت درجة الحرارة 13 درجة تحت الصفر. كما أصبح لدينا خبراء واختصاصيون عرب: سمير قدوره باحث من فلسطين. ومن مصر محمد منسي وكان مديرا لشركة شل للتوزيع في مصر، تولى دراسة سوق المنتجات المحلية وتطوير صناعة تكرير النفط من أجل التصدير.

 وجدير بالذكر أن الأستاذ محمد منسي تقدم لنا عندما أعلنا عن وظيفة اختصاصي في تسويق منتجات النفط ولكنني لم أرشحه للمقابلة بحكم أن خبراته أعلى بكثير من متطلبات الوظيفة. وبعد فترة اتصل بي الحاج محمود الحفناوي مدير مصفاة مسعيد وشركة نودكو لتوزيع المنتجات النفطية في قطر ("وقود" حاليا) وسألنني أذا كان شخص اسمه محمد منسي قد تقدم لوظيفة لدينا فقلت له نعم ولكنني استبعدته لان مؤهلاته أعلى من متطلبات الوظيفة. فقال لي إن هذا الشخص يريد أن يخرج من مصر فقط لأن عليه التزامات عائلية ولا يستطيع أن يقوم بها إذا استمر في وظيفته القيادية إلا إذا دخل وشارك في حلقات الفساد. عندها أعدت النظر ورشحت محمد منسي للمقابلة والحمد لله أنني قد فعلت ذلك فقد عمل معنا الرجل خمس سنوات بأمانة وصدق وكفاءة وعاد إلى مصر بعد أن غطى التزاماته العائلية.

 وانضم للعمل في إدارة التسويق علي الجزار باحث من مصر في التسويق ومن البحرين ميرزا القصاب. وكان الزملاء في المؤسسة يتندرون بجمع الجزار والقصاب في إدارة التسويق! كما انضم لنا زميل آخر من الهند هو السيد كوني وهو اختصاصي في البتروكيماويات وقد ساعدنا فيما بعد في تحضير دراسة "الاقتصاديات البديلة للاستفادة من الغاز الطبيعي غير المصاحب في قطر" وانضم لنا أيضا محمد سليمان من سريلانكا ومشتاق من باكستان كما انضم إلينا في إدارة التسويق والنقل زملاء آخرون لا أذكر أسماءهم الكريمة. وبذلك أصبحت إدارة التسويق والنقل إدارة فنية تنفيذية نشطة في ذلك الوقت لا تنافسها جهة أخرى في قطر في وظيفتي تسويق النفط القطري ونقله بينما تأخرت بقية الإدارات الفنية الأخرى ببدء نشاطها بسبب عدم تعين مديرين لها وكانت تدار بشكل مباشر من قبل لجنة التسيير في المؤسسة.

والحقيقة أن المؤسسة العامة القطرية للبترول لم تستطع أن تكون "الشركة الأم" بسبب التردد في تهيئتها وبناء مقومات أداء دورها نتيجة تأجيل متخذ القرار القيام بتنشيطها وتفويضها بسلطة أداء وظيفتها بهذه الصفة لتقود وتدير صناعة البترول في قطر في الداخل والخارج. وكنت أسميها "امرأة أب قليلة الحيلة ليس لها ظهر " تنظر إليها الشركات التابعة لها نظرة القادم الغريب غير المؤهل إلى صناعة النفط. ولا تملك القيادات والكوادر ولا السياسات التي تؤهلها لان تكون "الشركة الأم " القادرة على قيادة قطاع النفط في قطر والمتمكنة من العمل في جميع مرحل صناعات النفط في الداخل وفي الخارج، كما ينص على ذلك الغرض مرسوم إنشائها.

******

ومن الأمور التي صدف صلتي بها خلال هذه الفترة هو احتكاكي بشركة الوسائل الإدارية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت التي كانت تقوم بدراسة الإدارة العامة في قطر بهدف اقتراح إصلاح أداري شامل لها. وكانت الشركة تتخذ من مبنى المؤسسة مقرا لها وبطلب من الأخ عيسى بن غانم الكواري رئيس الديوان الأميري كنت على صلة بهم واهتمام بعملهم والتقرير الذي سيصدر عنه.

جاءت مهمة شركة الوسائل الإدارية استكمالا للتقرير الهام الجيد الذي قدمه ايلي سالم وعدنان اسكندر من الجامعة الأميركية في بيروت حول بناء الدولة في قطر والذي جاء من ضمن توصياته القيام بإصلاح الإدارة العامة وتهيئتها للقيام بدورها في تحقيق التغيير المنشود الذي وعدت به "الحركة التصحيحية ". وكان فريق العمل في شركة الوسائل الإدارية كبيرا وشمل تقريره مرحلتين: أولهما دراسة الواقع الحالي للوزارات والإدارات الحكومية والتعرف على مدى كفاءتها ومحددات أداءها وثانيهما تقرير نهائي يشمل مضمون الإصلاح الإداري المقترح وخطوات القيام به.

تزايد اهتمامي بعمل شركة الوسائل الإدارية ونمت بيني وبين المسؤولين عن فريق العمل علاقة طيبة. فأخذوا يعرضون علي مجلد كل إدارة أو وزارة يقومون بدراستها ويطلبون مني أن أبدي وجهة نظري. فقمت بالاطلاع على تلك المجلدات بقدر ما يسمح به وقتي وأبديت عليها ملاحظات سريعة. وقد احتفظت بتلك المجلدات لمدة طويلة حتى لم أعد الآن أذكر أين وضعتها بعد أن كتبت في عام 1994 فصل ‘إدارة اليسر‘ في كتابي "تنمية للضياع .. أم ضياع لفرص التنمية" مشيرا إلى محاولة الإصلاح الإداري الجادة تلك والتي لم ترى النور.

وفي أحد لقاءاتي مع الأمير في مكتبه وفي سياق الاستماع لتطلعاته في الإصلاح ذكر سموه لي رغبته في تخصيص بعض الشركات الصناعية وتشجيع موظفي الحكومة على شراء أسهمها لتوفير دخل إضافي يشجع الكوادر القطرية من ناحية على الاستمرار في الحكومة وعدم طلب التقاعد المبكر من أجل ممارسة العمل التجاري الخاص ويشجعهم من ناحية ثانية على القيام بالمتابعة والرقابة على الشركات المساهمة التي تشارك الحكومة في ملكيتها لوجود مصلحة ذاتية لهم في نجاحها.

وفي سياق تطلعات الأمير للإصلاح ذكرت له متابعتي لتقرير شركة الوسائل الإدارية وأهمية ما يقومون به من دراسة لواقع الإدارة العامة في قطر وما سيقدمونه من تصور وتوصيات للإصلاح الإداري. واقترحت على سموه أن يتم تفريغ حوالي عشرين شابا من الخريجين القطرين الذين لم تصبهم آفة الفساد ليعملوا مع فريق شركة الوسائل الإدارية أثناء القيام بدراستهم وإعداد تقريرهم النهائي حتى يكون عندنا فريق وطني يشرف على تطبيق توصيات شركة الوسائل الإدارية عندما تنتهي مهمتها. ويمكن لبعضهم أن يكونوا من قيادات الإدارة العامة عند القيام بإصلاحها. وأذكر أن الأمير أخذ يقلب الفكرة في ذهنه ولم يعلق عليها.

******

تلك هي المهمات التي قمت بها في إدارة التسويق والنقل خلال السنوات الأولى من عملي فيها. وبالإضافة إلى ذلك تم تكليفي بمهمات أخرى أهمها عضوية لجنة المساهمين ولجنة تسيير شركة "قطرغاز" (وذلك ما سأتناوله في الفصل الثاني من هذا الكتاب) ومهمة نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القطرية لإنتاج البترول (التي سوف أخصص لها الفصل الرابع وأختتم بذلك الحقبة التي عملت فيها في قطاع النفط في قطر).

 أما بقية المهمات الإضافية الرسمية المتفرقة التي كلفت بها داخل قطاع النفط وخارجه فسوف أتناولها بالإضافة إلى أنشطتي الأكاديمية خلال تلك الفترة في الفصل الثالث من هذه المذكرات.