الفصل الثالث: مهمات اضافية ونشاطات أكاديمية

الفصل الثالث

مهمات اضافية ونشاطات أكاديمية

 

   يتناول هذا الفصل المهمات الاضافية التي أوكلت إليّ أثناء عملي النشط في قطاع النفط في قطر في الفترة من 1974- 1978، وكذلك ما قمت به من بحوث ودراسات اكاديمية وما نشرته من إنتاجي العلمي خلال تلك الفترة.

   ويتكون هذا الفصل من ثلاثة اقسام : أولها: المهمات الرسمية الاضافية في قطاع النفط. وثانيتها: المهمات الرسمية الاضافية خارج قطاع النفط. وثالثتها: البحوث والدراسات العلمية التي قمت بإعدادها خلال فترة عملي في قطاع النفط وتم نشرها.

 

3-1

3-1 مهمات إضافية داخل قطاع النفط

 

طوال فترة عملي في قطاع النفط، كلفني وزير المالية والبترول ورئيس مجلس إدارة المؤسسة بمهمات إضافية داخل قطاع النفط وخارجه، علاوة على وظيفيتي الأساسية مديرا لإدارة التسويق والنقل في المؤسسة العامة القطرية للبترول والمهمات الرئيسية الأخرى في لجنة المساهمين لشركة قطر غاز وفي مجلس إدارة الهيئة القطرية لإنتاج البترول.

وقد استفدت معرفيا من تلك المهمات الإضافية وتعلمت الكثير. كما أتاحت لي زيارة أماكن والتعرف على بلدان أخرى وكسب معارف وأصدقاء كرام خارج قطر وداخلها تستحق الذكر. وذلك قبل أن أختم حديثي حول أنشطتي خلال حقبة عملي في قطاع النفط في الفصل التالي، بالتوقف عند تجربة الهيئة القطرية لإنتاج للبترول التي تجددت معها أمالي في قطاع النفط قبل أن يتمكن لوبي شركات النفط أن يضع نهاية غير سعيدة لتلك التجربة الوطنية ألموءودة.

الشركة العربية لأنابيب نقل النفط - مصر

في عام 1976 تم تكليفي بحضور اجتماع شركة سومد في مصر. وشركة سومد هي مشروع مشترك بين بعض دول الخليج العربية ومصر لنقل النفط في أنبوب يمتد من السويس إلى الإسكندرية بغرض تصدير النفط ومنتجاته إلى أوربا وحوض البحر الأبيض المتوسط دون أن يمر بقناة السويس المعطلة آن ذاك منذ حرب 1967.

استهدف مشروع سومد اختصار المسافة والفترة الزمنية التي يحتاجها تصدير النفط من الخليج إلى أوربا، بعد أن كان ينقل عبر رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، مرورا بالمحيط الهندي والمحيط الأطلسي نتيجة إقلاق قناة السويس. كما أنه سيمكن دول الخليج العربي من قيام صناعة تكرير عربية في مصر تصدر المنتجات النفطية إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط وبعض الدول الأفريقية والعربية.

كانت فكرة المشروع تنموية بامتياز في إطار التكامل العربي الذي كثر الحديث عنه بعد حرب أكتوبر 1973، وذلك في إطار المشروعات النفطية التي تمت في إطار منظمة الأقطار العربية المنتجة للبترول، ومنها شركة ناقلات النفط العربية ومقرها الكويت، والحوض الجاف في البحرين، والشركة العربية للاستثمارات النفطية في الدمام.

وللعلم، فإن العديد من المشروعات العربية المشتركة قد نشأت بعد الطفرة النفطية الأولى في عام 1973 ووجود فوائض مالية لدى الدول العربية المصدرة للنفط، فضلا عن الرغبة في تعزيز جهود التكامل العربي. ومن هذه المشروعات الهيئة العربية للتصنيع الحربي في مصر والهيئة العربية للزراعة في السودان التي كان يعول عليها في توفير الأمن الغذائي العربي!. كما كانت هناك مشروعات عربية في مجال التمويل والتصنيع وغيرها. ولكن أغلب تلك المشروعات التي قيل إنها كلفت 40 مليار دولار آنذاك وهي مبالغ طائلة، عانت مع الأسف منذ نشأتها من رغبات البلد المضيف في الاستحواذ على المشروع العربي والهيمنة عليه، والتدخل المصلحي من قبل معظم القائمين على شؤونه والتنافس عند اختيار من يتولى أدارته بين الدولة المضيفة وبقية الدول الأعضاء، بعيدا عن معيار الكفاءة.

 ولذلك فشلت مع الأسف معظم المشروعات العربية المشتركة في أن تكون قاطرة للتكامل العربي والتنمية الإقليمية بل فشلت معظم تلك المشروعات العربية المشتركة اقتصاديا، الأمر الذي أجهض حلم التنمية الإقليمية في إطار التكامل العربي بالرغم من ضخامة الاستثمارات التي توفرت لتلك المشروعات.

وشركة سومد التي انتدبت لحضور اجتماعها في القاهرة، ربما بحكم كوني مدير إدارة التسويق والنقل في المؤسسة العامة القطرية للبترول، كانت واحدة من المشروعات التي كانت تعاني من مشكلات المشروعات العربية المشتركة.

******

وصلت القاهرة وأقمت مع بقية الحاضرين من خارج مصر للمشاركة في الاجتماع في فندق شيراتون القاهرة عنوان الفخامة والرفاهية آن ذاك. التقيت على العشاء مع القادمين لحضور الاجتماع من الدول العربية ومع عدد من المسؤولين المصرين عن شركة سومد وهم من قيادات وزارة النفط المصرية. وقد لفتت نظري منذ اللقاء الأول شخصية الأخ عبد الوهاب التمار رئيس مجلس إدارة الشركة الكويتية للاستثمارات الخارجية في الكويت وممثل دولة الكويت. لفت أبو عبد اللطيف نظري بحديثه الهادئ واتزانه، فاتفقت معه أن نلتقي في الصباح قبل ذهابنا للاجتماع في الساعة العاشرة لأعرف منه عن شركة سومد التي حضر عدد من اجتماعاتها الماضية.

حوالي الساعة التاسعة صباحا كنت جاهزا فذهبت إلى الجناح الذي يقيم فيه عبد الوهاب فوجدته قد تناول إفطاره ينتظرني في غرفة الجلوس. استمعت منه بإسهاب عن فكرة الشركة وعن المراحل التي قطعتها والمشكلات الإدارية التي تواجهها والمتمثلة في نظرة وزارة النفط في مصر إلى شركة سومد بأنها من سائر الشركات المصرية التي تديرها وزارة النفط دون أخذ اعتبار لكونها شركة عربية استثمارية عليها أن تنجح تقنيا واقتصاديا في القيام بمهمة نقل النفط عبر الأنابيب وإقامة مصافي لتكريره وشبكة دولية لتسويق المنتجات النفطية بشكل تنافسي.

وقد لمست من مقابلتي أن عبد الوهاب التمار، بحكم كونه رئيس شركة تدير استثمارات الكويت الخارجية، يخشى من أن تتسبب تلك المشكلات الإدارية والنظرة الضيقة، إلى تزايد البيروقراطية في إدارة شركة سومد وبالتالي تحجيم المشروع الذي يمكن أن يؤسس لتعاون وتكامل اقتصادي واستثماري ناجح بين الدول العربية.

حوالي العاشرة صباحا غادرنا الفندق معا لحضور اجتماع مجلس إدارة شركة سومد. كان جدول الأعمال مزدحما بقضايا إدارية تفصيلية ليس من مهمة مجلس الإدارة أن يناقشها ويبث في أمرها، وإنما هي من اختصاص الإدارة التنفيذية التي يجب أن تتعامل معها وفقا للسياسات والإجراءات التي يضعها مجلس الإدارة بعد أن يقوم باختيار القيادات الإدارية والفنية العليا ويخضعها لنظم ولوائح الشركة، ويتابع أداءها من خلال نظام رسمي للتقييم الأداء.

ضاعت الجلسة الأولى في جدل عقيم بين المسؤولين المصرين في إدارة الشركة والممثلين للحكومة المصرية، وبين بقية ممثلي الدول العربية الأخرى الذين يرون أن تدار شركة سومد كمشروع عربي استثماري على أسس اقتصاديه، وأن يكون مجلس الإدارة هو الجهة التي تختار القيادات الإدارية والتقنية للشركة من المصرين وغيرهم وفقا للكفاءات والخبرة.

في الجلسة الثانية، حاول المشاركون في الاجتماع أن يكونوا عملين وأن ينجزوا ما يجب إنجازه من جدول الأعمال وأن يؤجلوا القضايا الرئيسية التي دار حولها نقاش الجلسة الأولى، إلى اجتماع ثاني يتم الإعداد له من أجل وضع رؤية واستراتيجية لمشروع شركة سومد، كما يتم وضع مقترحات للتنظيم الإداري للشركة وطريقة اتخاذ القرارات الإدارية والفنية وفقا للسياسات التي يضعها مجلس الإدارة أسوة بغيرها من الشركات الاستثمارية المنافسة.

انتهى الاجتماع في المساء على أن يعقد الاجتماع التالي بعد عدة أشهر، وعدت بعد يومين إلى الدوحة أفكر في الطريقة التي تقام بها المشروعات العربية المشتركة دون دراسات كافية ودون وجود توافق مسبق على الهدف منها لدى جميع المشاركين فيها الذين يجاملون بعضهم بعض، وبعد ذلك تواجه هذه المشروعات على أهميتها أزمات وسوء تفاهم يعرقل تطورها ويفشل أداؤها وبالتالي تجهض إمكانيات التعاون والتكامل العربي ذات الأهمية الاستراتيجية.

ولم يفتني أن أتصل بأم خليفة وضحى في الدوحة اسألهم عن ما يرغبون فيه من مصر أم الدنيا. كانت رغبة أم خليفة أن نكون معا في الزيارة الثانية لأم الدنيا مصر، أما ضحى وكانت في الخامسة من عمرها فقامت بتعداد ما ترغب فيه من ملابس ولعب وكتب أطفال وبعد كل طلب تكرر قائلة "وللى تشوفه زين يبه" خوفا من أن تفوتها توصيتي على ما كان يمكن أن أختاره بمعرفتي.

******

 أصبت بخيبة أمل من اجتماع شركة سومد، وكان عزائي الوحيد أنني قد تعرفت على أبو عبد اللطيف الأستاذ عبد الوهاب التمار صاحب العقلية الإدارية والاستثمارية الواعدة والهدوء النفسي والنظرة الحكيمة. وقد استمرت صلتي وثيقة مع أبوعيد اللطيف ألذي أصبح فيما بعد محافظ البنك المركزي في الكويت، بعد ذلك الاجتماع وتطورت إلى صداقة وزمالة في أعمال منتدى التنمية الذي كان عبد الوهاب من أوائل من شارك في أنشطته وأخذ على عاتقه تنسيق دراسة من أكثر دراسات المنتدى أهمية تتعلق بدراسة واقع ومستقبل الأرصدة الخارجية لدول الخليج، والتي أصدر منتدى التنمية حولها كتابا عام 1985 من قبل شركة كاظمة في الكويت بعنوان" ألأصول المالية الخارجية لأقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط”. وجدير بالذكر أن توصيات تلك الدراسة القيمة المسئولة لو وجدت من يعتني بها من حكومات دول المنطقة لما كان لقانون ’جستا’ الحديث في الولايات المتحدة أن يهدد الاحتياطي العام لدول المنطقة المتراكم هناك دون حماية تذكر، ويتخذ منها رهينة.

بعد ذلك الاجتماع حضرت بضع جلسات لمجلس إدارة شركة سومد في مصر، لم تكن أفضل حالا من الاجتماع الأول. وبعد فترة رشحت زميلي جاسم النعمة رئيس قسم النقل في إدارة التسويق والنقل، لعضوية مجلس إدارة سومد وأخذت ألاحق شؤون الشركة عن بعد.

شركة كوبينور الفرنسية

في عام 1975 جاءنا في إدارة التسويق طلب من شركة كوبينور الفرنسية لشراء نفتا خام من المنتجات التي يقوم مصنع سوائل الغاز NGL بفصلها من الغاز الخام الذي يزود به من حقل دخان. والنفتا شبيهة بالزيت الخام وأسعارها مقاربة لأسعاره، لذلك رددنا على طلب الشراء بتحديد السعر وفقا للأسعار العالمية التي نبيع بها النفتا من معمل سوائل الغاز. وفوجئت بتدخلات وضغط من جهات رسمية قطرية لإعطاء شركة كوبينور أسعارا خاصة من أجل دعم عمليات إنتاجها للبتر وكيماويات في دنكيرك شمال فرنسا.

وكانت الحجة أن قطر شريكة في شركة بترو كيماويات الشمال (كوبينور) في دنكيرك، وان الشركة تحتاج إلى دعم خاص من الشريك القطري بالحصول على أسعار مدعومة من أجل تمكين الشركة من المنافسة في السوق ألأوربية. وقد علمت بشكل غير مباشر أن اتصالا قد تم من قبل مكتب الرئيس الفرنسي جيسكار ديستانغ بمكتب سمو الأمير من اجل مساعدة شركة كوبينور ببيعها النفتا بأسعار تمكنها من المنافسة. وقيل لي إن الرئيس الفرنسي يستخدم اسمه بالقول إنه يطلب من سمو الأمير شخصيا المساعدة في الأمر عندما تكون هناك مصلحة فرنسية تحتاج إلى دعم سياسي.

ومن هذه الضغوط على إدارة التسويق علمت بوجود شراكة بين قطر وفرنسا في شركة كوبينور وهي شركة مثيلة لشركة قطر للبتروكيماويات (قابكو) في مسيعيد التي تقوم بإدارتها وتتشارك في ملكيتها أطراف فرنسية. فكانت حجتي أننا سوف نعامل كوبينور كما يعامل الفرنسيون قابكو التي تشتري احتياجاتها من الخدمات والآلات من فرنسا بسعر السوق دون دعم من الحكومة الفرنسية. هنا تراجع الضغط غير المباشر وتخلت شركة كوبينور عن طلبها من إدارة التسويق الحصول على أسعار مخفضة، ولم ترغب في شراء النفتا بالأسعار العالمية.

******

بعد عدة أشهر فوجئت بقرار وزير المالية والبترول رئيس مجلس ادارة المؤسسة في قطر يكلفني بعضوية مجلس إدارة شركة كوبينور في فرنسا. فرحبت بالمهمة طامعا في اكتساب خبرة فرنسية في إدارة شركات البتر وكيماويات، كما اكتسبت خبرة من عملي مع شركة شل في مجالات عدة منها تسويق الغاز المسال LNG. وكان ذلك التعيين فرصة لي لتكرار زيارة باريس التي قرأت وسمعت عنها منذ الشباب الباكر، ورؤية معالمها والتعرف على فرنسا بلد الحرية والفكر والأدب والفن وزيارة الحي اللاتيني ومقاهيه فيها، بل إنني فكرت في تعلم اللغة الفرنسية.

بعد عدد من اجتماعات مجلس إدارة كوبينور في باريس بدأت الشركة تلح عليّ لمساعدتها في الحصول على نفتا مدعومة السعر من قطر. فوجدتني أواجه ضغوطا سبق لي أن واجهتها قبل تعييني عضوا في مجلس إدارة كوبينور. أما هذه المرة، فالأمر مختلف بعض الشيء، وعليّ أن آخذ بالاعتبار وضع شركة كوبينور وعلاقتي مع بقية أعضاء مجلس الإدارة، وربما عليّ أن أجاملهما على حساب مصلحة قطر وبصورة تناقض السياسات التي وضعناها في إدارة التسويق. وإذا لم افعل، فإن العلاقة بيني وبين أعضاء مجلس الإدارة الآخرين سوف يسودها التوتر، بينما أطمع في أن أتعاون مع المجلس في إنجاح المشروع الفرنسي القطري. ولذلك، وبعد فترة من التفكير وتبخر أحلامي في تعلم اللغة الفرنسية وزيارة باريس التي أحببتها، رأيت في ضوء تزايد مسؤولياتي أن من المناسب أن أعتذر عن عدم استمراري في عضوية مجلس إدارة كوبينور بعد مضي سنة من تعييني عضوا فيه.

 

شراء منصة حفر بحري

من المهمات التي فوجئت بتكليفي بها شراء منصة حفر بحري Drilling Rig لحفر أبار النفط والغاز. وجاء هذا الاقتراح من شركة شل قطر، الشريك في شركة حفر أنشئت حديثا بينها وبين المؤسسة العامة القطرية للبترول. وكان التكليف من وزير المالية والنفط رئيس مجلس إدارة المؤسسة.

لم يتم تزويدي عند تكليفي بمعلومات كافية عن شركة الحفر ولا عن الشركة التي تعرض منصة الحفر البحري للبيع، وإنما طلب مني أن أذهب إلى نيويورك وسيكون في استقبالي مندوب من شركة شل أشترك معه في التعرف على العرض المتاح لشراء منصة حفر بحرية من شركة أمريكية ونتفاوض على شراءها.

بدأت فورا في استشارة زميلين من مهندسي النفط من أهل مصر الحبيبة، أحدهم يعمل في المؤسسة واسمه إلهامي والثاني يعمل في إدارة شؤون البترول واسمه عبد القادر. كان المهندس عبد القادر على علم بشركة الحفر المشتركة بين شركة شل قطر والمؤسسة وعن فكرة شراء منصة الحفر. وأفادني الزملاء مهندسو البترول أن هذه أول مرة يتاح فيها لقطر أن تمتلك حفارا لأبار النفط، وهي فرصة طيبة لدخول هذا الحقل من صناعة النفط.

وجدير بالذكر أن شركات النفط العاملة في قطر لم تكن تملك أجهزة الحفر البرية أو البحرية التي تقوم بمهمة حفر الآبار، وإنما تستأجرها من شركات الحفر العالمية وتضع على كل منها طاقما فنيا يتكون من مهندس حفر Toolpusher وحفارين Drillers ومساعدي حفارين معارين من الشركات ألأجنبية الأم للشركات العاملة، أما عمال الحفر فهم من القطرين العاملين لديها ممن يعرف بعضهم فنون وشؤون الحفر أفضل من مساعدي الحفارين المعارين. ولذلك طوال السنوات الماضية لم يصل قطري إلى مستوى وظيفة حفار أو مساعد حفار فقد كان الحفارون ومساعدوهم دائما من الموظفين الأجانب المعارين من شركات النفط ألأجنبية صاحبة امتيازات النفط السابقة.

كما اتجهت لوزارة الخارجية لمساعدتي من خلال بعثة قطر لدى الأمم المتحدة من أجل تسهيل مهمتي ودعمي رسميا. فاتصلت بالأخ جاسم غانم الكواري مدير مكتب وزير الخارجية طالبا مساعدته، وعندما علم وزير الخارجية الشيخ سحيم بن حمد الصديق والمعرفة القديمة منذ زمن ‘برادات الأمل‘، دعاني مشكورا لمقابلته، وبعد شرح المهمة له أمر المسؤولين في الوزارة بأن يسهلوا مهمتي وأن يتصلوا بالقائم بأعمال مندوب قطر الدائم في الأمم المتحدة بنيويورك، الصديق وزميل الدراسة محمد نور العبيدلي من أجل ذلك.

سافرت إلى نيويورك، وكان في استقبالي الأخ محمد نور العبيدلي الذي لا يحتاج إلى توصية عليّ. وفي اليوم الثاني التقيت بحضور محمد نور بمندوب شركة شل المتابع لصفقة شراء منصة الحفر البحرية وبعض زملائه. وأبلغني مندوب شل أن هذه المنصة تملكها شركة حفر أميركية تريد بيعها، وشراؤنا لها سيوفر علينا الوقت والجهد والمال. وقال إن المنصة مازالت مشروعا قيد التنفيذ في حوض بناء سفن في سنغافورة، وأطلعنا على رسومات هندسية للمنصة وصور لها وهي في بداية التنفيذ. وكان ثمن المنصة حسب ما اذكر حوالي 100 مليون دولار ندفع جزءا منها للشركة الأميركية، وندفع بقية الدفعات التي لم تستحق بعد لحوض بناء السفن في سنغافورة وفقا للعقد الموقع من قبل الشركة الأميركية التي سنحل نحن محلها.

قال لي مندوب شركة شل إن الصفقة جيدة ويمكن أن نحسن شروط الشراء لصالحنا لأن الشركة محتاجة ماليا لبيع مشروع الحفار البحري لتراجع عمليات الحفر في خليج المكسيك آن ذاك. واقترح أن نقوم بزيارة لمقر الشركة الأميركية في هيوستن بولاية تكساس ومقابلة رئيسها للتفاوض معه على شروط الشراء. وحسب تقديره فإن الثمن الذي لا يتجاوز ما ندفعه منه للشركة نسبة ليست كبيرة من إجمالي ثمن المنصة والحفار، ثمنا مناسبا جدا.

 شعرت بالثقة بأسلوب شركة شل في التقييم والمفاوضات عندما تكون مصلحتك متفقة مع مصلحتها. فشركة شل لديها معرفة عالمية بصناعة النفط وقدرة على التفاوض الناجح المدروس الذي يجعل من الصعب على من يتعامل معها أن يخدعها. فاعتمدت لذلك على تقدير شركة شل بالنسبة لمشروع الحفار البحري والثمن الذي نتوصل إليه، فمصلحتنا مشتركة في شركة الحفر القطرية.

واتفقت مع مندوب شركة شل على السفر إلى هيوستن ومقابلة رئيس الشركة الأميركية لاستكمال التفاوض وشراء منصة الحفر. وأبدى أخي محمد نور العبيدلي استعداده للسفر معنا واقترح أن نقضي يومين آخرين عند أصدقاء يعرفهم في مدينة هيوستن.

******

قبل سفرنا إلى هيوستن دعاني المليونير ليون هس Leon Hess العضو المنتدب ورئيس مجلس إدارة شركة Amerada Hess (1914-1999) للغداء في مطعم نيويوركي مشهور يتنافس فيه هس كما قال لي مع أوناسيس صاحب شركة النقل البحري المشهورة وزوج جاكلين كنيدي، على طاولة في ذلك المطعم الذي يرتاده كبار رجال الأعمال.

وقد بدأت علاقتي مع السيد هس وتطورت من خلال شراء شركة ‘أميرادا هس‘ للنفط الخام من قطر. كان السيد هس الذي تجاوز وقتها سن الستين عام قد زارنا في قطر للتعرف والبحث عن مجالات أخرى للتعاون. وخلال إحدى تلك الزيارات، وخلال إيصالي له إلى فندق الخليج (ماريوت اليوم) القريب من بيتي، دعوته إلى منزلي لتناول الشاي، وذلك لما وجدته من لطف الرجل العجوز المحترم.

عندما وصلنا المنزل في رأس أبو عبود استأذنت منه لبعض الوقت. وعندما عدت للصالون وجدته يقف لي ويؤدي تحية عسكرية وفي يده مخطوطة رسالتي للدكتوراه حول تخصيص عائدات النفط، التي أخذها من رف الكتب في الصالون. بادرني السيد هس بعد أن فاجئني بأداء التحية العسكرية قائلا "أشعر أنك في خطر جراء ما كتبت حول نمط تخصيص عائدات النفط، وأخشى عليك من ردة فعل حكومات إمارات الخليج. سعدت بعواطف الرجل التاجر العجوز غير المتوقعة وطمأنته بأن الأمر لا يستحق القلق بعد أن فات وقت ردة الفعل بمرور الزمن.

بعد الحديث حول رسالتي لنيل الدكتوراه، بدأ الرجل يقص عليّ قصته، وكيف بدأ حياته سائق سيارة نقل منتجات نفطية ثم اشترى الشاحنة التي يعمل عليها سائقا واشترى شاحنة أخرى وامتلك تسهيلات تخزين للمنتجات النفطية. وفي غضون عقدين من الزمن كان يملك مصفاة للنفط، ومنها تطور عمله لتصبح شركة هس للبتر وكيماويات التي يملكها شريكا رئيسيا في شركة أميرادا هس أحدى شركات النفط المستقلة الكبيرة آنذاك، ويصبح هو رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب. وختم كلامه الودي بأنه قد أوصى بكل ثروته لأعمال الخير بعد أن خصص ما يكفي لكل من أبنائه لبدء حياة كريمة لكل منهما، فذلك كاف لهم على حد قوله.

*****

بعد الغداء مع السيد هس في ذلك المطعم الشهير في نيويورك، سافرنا محمد نور وأنا وممثلان لشركة شل إلى هيوستن، وفي اليوم الثاني بدأنا التفاوض مع الشركة الأميركية بحضور رئيسها. ولم يطل التفاوض كثيرا فقد انتهينا منه في الجلسة الثانية عندما وافق رئيس الشركة الأميركية، ربما تحت ضغط الحاجة المالية، على تخفيض الجزء الذي سيعود للشركة الأميركية من قيمة الصفقة. فقد كانت الشركة تخشى أن يؤثر وضعها على قدرتها لتمويل مشروع المنصة التي صممتها وكانت تريد تشغيلها في عمليات مقاولات الحفر التي تقوم بها في عمق البحر. وقد ذكرتني بساطة الرجل العملي ببعض أفلام الكاوبوي وطريقة اتخاذ البطل قراراته بسماحة في ضوء قبوله وثقته بمن يتعامل معه ورغبته في اعتبارها صفقة لا غالب فيها ولا مغلوب.

******

في اليوم الثالث انتقلنا لضاحية من ضواحي مدينة هيوستن لزيارة أصدقاء محمد نور ووجدنا في انتظارنا رجلا من أصل عربي من عائلة الجميل في لبنان يقيم في أميركا منذ زمن طويل ويتركز عمله في بناء مشروعات إسكان كبيرة يزيد المشروع الواحد منها على ألف منزل. وقدمنا الرجل لزوجته الجميلة الأنيقة الرقيقة المثقفة التي رحبت بنا وأمرت بنقل حقائبنا إلى غرف الضيوف لنقيم عندهم في القصر.

فاجئني الاستقبال وفرحة المضيفيْن بقدومنا لعلاقة طيبة تربطهما بالصديق محمد نور العبيدلي. قضينا يومين في ضيافتهما نستمتع بحديث السيدة المهتمة بالعالم وما يجري فيه، عن المسرح والموسيقى والفن والرحلات، وهو حديث لا نستطيع مجاراتها فيه. وعندما يطول الحديث الثقافي، نجد زوجها قد ذهب في غفوة قصيرة يستعيد بعدها حضوره بسرعة عندما يتحدث إلينا عن صناعة البناء وتشييد المساكن بتنظيم وسرعة خارقة؛ فمشروع الألف مسكن ينجز في شركته في غضون عام. وقد كان يتحدث عن مواد البناء بمعرفة وحب، فخورا بان هناك خمسين شركة صغيرة متخصصة في أعمال البناء تعمل من الباطن فقط مع شركته وفي مشاريعها الإسكانية.

في نهاية الزيارة الممتعة ودعنا العائلة الكريمة عائدين إلى نيويورك. وقد استمرت علاقتي بالعائلة الكريمة فاستقبلتهم عندما زاروا قطر بعد حوالي عام واستضفتهم مع عائلتي في الفيلا التي خصصتها المؤسسة لسكني حتى يتم الانتهاء من بناء بيتي في فريج بن عمران.

 وبعد عدة سنوات، اتصل بي الجميل من السعودية وقال لي إنه يقوم ببناء مشروع سكني لحكومة المملكة في الرياض. فقمت بزيارته في الرياض وحدثني عن الصعوبات التي يواجهها لأنه يفتقد النظام الأميركي ولا يجد من مقاولي الباطن من يقوم بمهمة الخمسين شركة المتخصصة التي كانت تعمل معه في تكساس. ودعته وشعرت عند وداعه وكأنه يأسف على اليوم الذي أتجه لمزاولة المقاولات في المملكة العربية، بعيدا عن الإمكانيات البشرية ونظام العمل الدقيق في الولايات المتحدة الأميركية.

******

 بعد أن رجعت إلى قطر، طلب مني الوزير أن أتابع بناء المنصة وما يتعلق بهذا المشروع حتى يصل إلى قطر. وللقيام بذلك، اقترحت أن نختار أحد الشباب القطريين ونكلفه بالإقامة في سنغافورة طوال فترة بناء المنصة لمتابعة تشيدها والتعرف على كل ما يتعلق ببنائها من مواد ومعدات ونظم، ليكون لدينا عندما تصل المنصة إلى قطر من هو عارف بها ومختص في شؤونها.

وللعلم، فإن منصة الحفر البحري هي حي سكني عائم فوق ظهر سفينة كبيرة. وهي مصممة ليعمل عليها ويسكنها حوالي خمسين شخصا. وتقطر المنصة من موقع حفر إلى آخر في عرض البحر كل ستة أشهر تقريبا بعد أن تنتهي من حفر بئر النفط أو الغاز. ولذلك، فإن منصة الحفر البحرية مشروع متكامل في حجم باخرة كبيرة عليها معدات الحفر والسلامة وعلى سطحها حي سكني صغير لإقامة العاملين ومعيشتهم.

بعد مدة من البحث، تم اختيار حمد بن حسن السليطي لمتابعة بناء المنصة في سنغافورة وتقرر انتدابه وإقامته هناك حتى يتم بناء المنصة في بحر عام. ووافق حمد وقام بمهمته خير قيام، ولم يكتف بمتابعة البناء باعتباره ممثلا لمالك المنصة، وإنما اقترح علينا أن نقوم بتوظيف عدد من الشباب وندربهم على أعمال الحفر. فكلفت حمد بمهمة اختيار الشباب القطريين لتدريبهم على مهنة مساعد حفار، وهي المهنة التي لم يزاولها القطريون منذ أن بدأت صناعة النفط في قطر.

وبالفعل تم اختيار وتوظيف عدد من القطرين المتعلمين وبدأ تدريبهم على مهنة الحفر التي تحتاج لخريج الثانوية أو مدرسة الصناعة على أن يكون شخصا مسؤولا، قادرا على العمل تحت الضغط ومستعد للتعلم دون كلل أو ملل. وبعد أن يكمل المتدرب فترة التطوير لمدة عام، يحصل على درجة وامتيازات كبار الموظفين في قطر التي تعطى لمساعد الحفار الأوربي الذي لا يتجاوز تحصيله العلمي مستوى الثانوية العامة ايضا.

وبعد عام واحد، كان أغلب الشباب الذين تم اختيارهم للتدريب قد أتقنوا مهنة مساعد حفار وعينوا في تلك الوظيفة. وأذكر من هولا الشباب علي الشهواني وعلي عيسى بو حقب، اللذين التحقا بحمد السليطي في سنغافورة وصاحباه على رحلة المنصة مقطورة من هناك إلى قطر. وبعد وصول المنصة إلى قطر، كانوا أول المعينين في وظيفة مساعدي حفار من القطريين، وعملوا على منصة الحفر البحري تلك - التي سميت دانه بعد مسابقة أجريناها لاختيار اسم أول منصة حفر قطرية. استمرت دانة في عملها لعدة عقود وقامت بحفر عشرات من آبار النفط والغاز في قطر، وعملت على متنها كوادر قطرية مهنية متميزة.

ومن حسن الصدف أن التقي بتاريخ 20 حزيزان/يونيو 2016 اثناء حفل تخرج طلاب ثانوية عمر بن الخطاب وبينهم أبني جاسم، بأحد العاملين على دانه من عائلة الجابر الكريمة الذي جرنا الحديث إلى الحفار دانه حيث عمل عليه عدة سنوات. قال لي الجابر إن دانه كان أفضل جهاز حفر بحري عمل في الخليج منذ دخوله الخدمة حتى وقت بيعه بعد حوالي عشرين عاما بمبلغ عشرين مليون دولار، لشركة حفر تعمل خارج المنطقة.

****

وإلى جانب ما سبق ذكره من مهمات إضافية إلى جانب عملي في إدارة التسويق والنقل، كلفت أيضا بعضوية لجنة تسيير المصفاة الجديدة لتكرير النفط بطاقة 200 ألف برميل يوميا. وكان من أعضاء هذه اللجنة الدكتور محمود الحفناوي مدير عام شركة نودكو والدكتور محمد عرابي مدير إدارة البتروكيماويات في المؤسسة وزميلي في رحلة تسويق الغاز المسال في اليابان.

كما كلفت أيضا بتولي منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة نودكو التي يتولى منصب المدير العام فيها الحاج محمود الحفناوي، وهي المسؤولة في قطر عن تكرير النفط وتوزيع المنتجات النفطية داخل البلاد وفي موانئها البحرية والجوية.

وقد اقترح عليّ الحاج الحفناوي الذي اعتاد أن يحج ويلتقي بزملاء له كل عام في مكة، أن نقوم بعمرة إلى مكة المكرمة خلال شهر رمضان عام 1977 نزور خلالها المدينة المنورة ونتعرف عن كثب على كافة معالمها التاريخية إلى جانب زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، والصلاة لعدة أيام في مسجده وبقية مساجد المدينة، ومنها المسجد المعروف بذي القبلتين، الذي صلى المسلمون فيه متجهين شمالا لمدينة القدس قبل أن ينزل الوحي باتخاذ مدينة مكة المباركة قبلة لهم فيتجهوا في صلاتهم نحو مكة إلى الجنوب بدل الشمال.

 قضينا عدة أيام في المدينة المنورة لزيارتها والتعرف على معالمها بزيارة موقع الخندق وما تبقى من المساجد السبعة التي أنشئت على امتداد الخندق ليصلي المسلمون حيث يرابطون على طول الخندق الذي حفروه من اجل الدفاع عن المدينة المنورة. وزيارة البقيع ومقبرة الشهداء وموقعي معركتي بدر وأحد. ولم يفتنا التسوق في مجمع أبو ذر الغفاري التجاري !

وبعدها بدأنا رحلة العمرة إلى مكة المباركة حيث قضينا بضعة أيام يسودها هدوء النفس وقداسة المكان وبهجة تاريخه العطرة.

 

رحلة مدهشة لجبال السروات غرب الجزيرة العربية

بعد انتهاء مراسم العمرة وزيارة معالم مكة، سافر الحاج الحفناوي إلى مصر لقضاء إجازة العيد، وذهبت إلى جدة لقضاء عدة أيام مع أصدقاء الدراسة في دًرًمْ بإنجلترا: علي مغرم الغامدي وإبراهيم العلاوي الأستاذين في جامعة الملك عبد العزيز في جدة.

قضيت أمسيات رمضانية جميلة مع زملاء الدراسة في جدة وأصدقاءهم من أساتذة الجامعة. وبعد ثلاثة أيام توجهنا في رحلة مدهشة إلى بلدة بالجرشي وبلاد غامد وزهران في منتصف جبال السروات المطلة على سهل تهامة والبحر الأحمر من علو ضفة الشفة غرب الجزيرة العربية.

غادرنا، الدكتور علي مغرم والدكتور إبراهيم العلاوي وأنا، في سيارة الأخ علي مدينة جدة بعد صلاة العصر في يوم صيف حار من شهر رمضان المبارك الذي صادف شهر أغسطس/آب عام 1977، سالكين طريق جدة - الطائف. وعند الغروب كنا قد صعدنا إلى جبال الهدى حيث توقفنا لتناول إفطارنا وأداء صلاة المغرب في جو منعش بارد نقي مختلف كل الاختلاف عن جو مدينة جدة الحار الرطب.

ومن سحر المكان الذي توقفنا فيه للإفطار، ما زلت حتى اليوم أتذكر صورة تلك الجلسة على سجادة حمراء أخرجها مضيفنا من حقيبة السيارة ومائدة الإفطار الرمضانية المتواضعة فوق ربوة من جبال الهدى ذات الجو المنعش والطبيعة المدهشة، نراقب غروب الشمس من علٍ عبر منطقة جبلية خضراء. إنها حقا صورة جميلة متجلية في الذاكرة لم يطمسها تعاقب الزمن وكثرة الصور التي مرت على ذاكرتي.

وبعد صلاة المغرب واصلنا سيرنا عبر شارع ضيق غير مطروق بكثافة، مارين بمدينة الطائف سائرين عبر جبال متقاربة الارتفاع وكأنها سقف ضيق متعرج لمنطقة جبال السروات، متجهين جنوبا لمسافة ناهزت 200 كيلومتر، بعد أن طفنا بديار زهران حتى وصلنا عند منتصف الليل بلدة بالجرشي، التي ينتسب إليها علي مغرم في ديار غامد مقر والده وعائلته الممتدة وعشيرته. وبحكم سفرنا في الليل، لم يتح لنا أن نرى معالم المنطقة التي مررنا بها بعد الغروب بين الهدى وبالجرشي بسبب الظلام، وإنما أتيح لنا ذلك في طريق عودتنا في الصباح الباكر بعد ثلاثة أيام.

أقمنا في بيت عائلة آل مغرم في ضيافة والده الكريم وعشيرته حسب عادة عرب غرب الجزيرة العربية الذين يمتهنون الزراعة والأنشطة المتعلقة بها في مجتمعات قبلية، لها عادات وتقاليد ممتدة في التاريخ. وهي مجتمعات حضرية مستقرة، نشاطها في الماضي ملائم لبيئة شحيحة الأرض الزراعية ذات أعراف صارمة للمحافظة على الموارد الزراعية والسلم الاجتماعي، بعد خبرة تاريخية في الحروب. وكانت من بينها حرب البسوس التي دامت أربعين عاما بين تغلب وبكر قبل الإسلام في وادي الخيطان القريب من أبو الجرشي.

أكملنا سهرتنا حتى موعد السحور. وبعد أن أدينا صلاة الفجر خلدنا حتى الضحى، في نوم عميق لذيذ في جو نقي هادى بعيدا عن ضجيج المدن وتلوثها. وقبل الظهر بدأنا جولتنا في المنطقة مواصلين في اتجاه الجنوب للتعرف على مزيد من معالم المنطقة وطبيعتها الجبلية المنحدرة إلى الشرق ومن الغرب تحدها حافة الشفة حيث يرى الناظر من أعلى الجبال المنحدرة بشكل حاد، سهل تهامة والبحر الأحمر دون أن يكون هنا طريق معبدة تسلكه السيارات بين سهل تهامة وجبال السروات.

شرح لنا علي مغرم، الذي كانت رسالته لنيل الدكتوراه حول جغرافيا وتاريخ تلك المنطقة من الجزيرة العربية، ما مر في طريقنا من معالم وما طالها من تحديث في عصر النفط. كما شرح لنا العادات والأعراف الاجتماعية ونظام ملكية الأراضي الزراعية التي يميل حجمها للصغر بسبب تجزئتها بحكم نظام الإرث حتى أصبحت مساحة الأرض الزراعية الكبيرة لا تتخطى الدونم الواحد، وأغلب الأراضي الزراعية لا يتجاوز حجمها بضع مئات من الأمتار المربعة. ولذلك أصبحت تلك الأراضي النادرة تزرع بأشجار الفواكه، ومنها التين والرمان والعنب والزيتون، وتسوّر بشجيرات التين الشوكي كثيف الإنتاج لذيذ الطعم في تلك المنطقة.

أما الحبوب فإنها تزرع في موسمها على مياه الإمطار في أراض مشاع تسمى "الحمى" من قبل أهل كل بلدة لصالح سكانها. ومن الطريف أن أهل البلدة أثناء موسم زراعة الحبوب يحكمهم عرف صارم يلزمهم بحجز بهائمهم في منازلهم دون السماح برعيها خشية تعديها على الحقول المزروعة بالحبوب. وفي حالة مخالفة أحد منهم لذلك العرف والإمساك بغنمه ترعى في تلال زراعة الحبوب فإن العرف يقتضي أن يقوم المخالف بنحر أسمن غنمه ليقيم عليها وليمة يأكل منها كل أهل القرية، بينما يتأوه رب البيت وأهله ويشتمون الظروف التي اضطرتهم للانصياع للعرف وذبح أسمن أغنامهم ليقيموا عليها وليمة رغما عنهم!

بعد خروجنا من نطاق بلدة بالجرشي اتجهنا جنوبا لمسافة تناهز 100 كم. نتوقف حيث يقترب الشارع من حافتي جبال السروات شرقا لنرى في الأسفل الصحارى وما تضمه من واحات متناثرة على بعد النظر، وغربا لنطل من حافة الشفة على سهل تهامة والبحر الأحمر من شرفة يشبه أسفلها - ولا أقول منحدرها فليس لها منحدر- جدار قلعة حصينة.

وهنا أخذ الأخ علي مغرم يشرح لنا كيف كان سكان جبال السروات ينزلون إلى تهامة عندما يضطرون إلى ذلك. وكان مسار النزول إلى تهامة وصعود الشفة لجبال السروات طريق ضيق خطر يشبه درجا متعرجا لا يسلكه سوى من لديه خبرة وحصافة بصحبة جمال مدربة على سلوك ذلك الممر الذي لم يعد أحد يجرؤ على استخدامه الآن.

كانت رحلتنا طوال ذلك اليوم الرمضاني مدهشة لم نشعر معها بالجوع والعطش طوال ست ساعات، عدنا بعدها إلى منزل آل مغرم قبل صلاة العصر بقليل. وبعد أداء صلاة العصر أخذنا غفوة من النوم حتى وقت الإفطار.

******

في المساء أتيحت لنا فرصة ثمينة على الإفطار وبعد صلاة التراويح. فقد التقينا بآل مغرم وأقربائهم من أهل بالجرشي، وتبادلنا معهم الأحاديث وسمعنا منهم الحكايات في سهرة رمضانية جميلة. فعلمنا بأن والد الدكتور علي مغرم كان أول من أدخل الكهرباء إلى بالجرشي وسحب الماء من البئر بمحرك كهربائي جلبه على ظهر جمل سلك به درج حافة الشفة الخطر من تهامة. وقد استثمر والده ماكينة الكهرباء والماء الذي رفعه بالطاقة الكهربائية للبيع على أهل البلدة.

كما التقينا بخال الزميل علي مغرم، وهو رجل فاضل ظريف ووسيم بالرغم من كبر سنه، عالم دين وخطيب جمعة وأمام مسجد. تعلم في الأزهر في أربعينيات القرن العشرين وزار السودان ومكث بها مدة من الزمن لعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين. وقد روى لنا الرجل قصته عندما عاد إلى بلاد غامد في بالجرشي حوالي عام 1950 وسعى للحصول على وظيفة أمام وخطيب جمعة في بالجرشي. وروى لنا أن ذلك المنصب الديني كان يتطلب موافقات كثيرة من الإمارة ومن المؤسسة الدينية في الرياض، مما اضطره للسفر للرياض والسعي للحصول على الوظيفة. وقال لنا مبتسما إن الجهات المختصة شكت في ولائه بحكم سفره لمصر وعلاقته بالإخوان المسلمين ورأت عدم تعيينه في بلاد غامد في بالجرشي بين أهله وعشيرته، واقترحت عليه أن يتولى المنصب نفسه في بلاد زهران. وأردف قائلا إن قبيلتي غامد وزهران لم تكونا آنذاك على وفاق، كما هي العادة بين الجيران. ولذلك شعر أن عمله أماما وخطيبا في بلاد زهران قد يغضب بعض أهل زهران وربما يؤدي ذلك إلى إلحاق الضرر به، ولكنه محتاج للوظيفة ولا يمكن أن يفرط فيها. وهذا ما جعله يفكر في تأمين نفسه وكسب ود زهران، فلم يجد أفضل من المصاهرة والزواج ليكسب ودهم ويأمن شرهم. وقد تزوج زهرانية فاضلة رزقه الله منها بالبنات والبنين ومنّ عليه بطيب العشرة وضمن له السلامة.

لم تطل سهرتنا بعد التراويح، فقد عزمنا على العودة لمدينة جدة مع طلوع الشمس في الصباح الباكر لنتمكن من رؤية تضاريس المنطقة ومعالمها شمال مدينة بالجرشي مثلما رأينا تضاريس المنطقة ومعالمها إلى الجنوب من بالجرشي. فذهبنا للنوم قبل السحور وصلاة الفجر وصحونا مع طلوع الشمس لنبدأ رحلة العودة.

******

بدأنا رحلة العودة بملاحظة كثافة شجيرات التين الشوكي في ذلك الصباح الندي الجميل في كل مكان، في أعلى المنازل وعلى قارعة الطريق وفوق كل منحدر وصخرة، وكأن شجيرة التين الشوكي هي شعار المنطقة. وعند الاستفسار عن سبب تلك الكثافة وانتشار شجيرات التين الشوكي في كل حدب وصوب، قيل لنا إن ذلك يعود لجهد العصافير التي تأكل من ثمر التين وتنقل بأرجلها وفي فضلاتها بذور شجيرة التين الشوكي التي تنبت بمجرد التصاق بذرتها بسطح تثبت عليه بدون حاجة للتربة.

تركزت مشاهداتنا في طريق العودة على الضفة الشرقية لجبال السروات، فرأينا عن بعد مدينة الباحة مركز أمارة المنطقة، كما شاهدنا واحات ومساكن بدو رحل في السهول حتى حاذينا واحة بيشة ووصلنا إلى مدينة الطائف، التي تقع مثل أبو الجرشي على قمة من قمم جبال السروات.

وبعد الظهر وصلنا مدينة جدة، وغادرتها في اليوم الثاني إلى الدوحة لقضاء إجازة عيد الفطر المبارك.

 


(3-1-1) المساجد التاريخية التي بنيت على امتداد الخندق في المدينة المنورة.

 

 
 

(3-1-2) الحرم المكي الشريف، أثناء أداء العمرة 1977 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(3-1-3) صورتي مع الدكتور علي مغرم – بلجرشي في جبال السروات 1977  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

(3-1-4) صورتي مع الدكتور ابراهيم العلاوي – بلجرشي في جبال السروات 1977

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

(3-1-5) من معالم مدينة بلجرشي غرب الجزيرة العربية – جبال السروات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

(3-1-6) سفح الشفاه ، يطل على سهل تهامة والبحر الأحمر

 

 

 

3-2

تكليفات رسمية خارج قطاع النفط

 

هيئة الخليج للتنمية في مصر

كان أول التكليفات الرسمية لي خارج قطاع النفط، تعييني في مجلس مديري هيئة الخليج للتنمية في مصر ممثلا لدولة قطر، وتعيين صقر المريخي من وزارة المالية بديلا لي في حالة عدم تمكني من حضور أحد اجتماعات هذا المجلس.

وهيئة الخليج للتنمية في مصر مشروع مساعدات تنموية مشترك بين كل من قطر والمملكة العربية، ويمثلها وكيل وزارة المالية عبد العزيز الدخيل، والكويت ويمثلها عبد المحسن الحنيف وكيل وزارة المالية وبديله مصطفى الشمالي اللذان أصبحا وزيري مالية في الكويت فيما بعد، وأبو ظبي ويمثلها عبد الله المزروعي المدير العام لبنك أبو ظبي الوطني.

أنشئت الهيئة برأسمال قدره ألفا مليون دولار (مليارا دولار) تقدمها الدول الأربع على هيئة قروض ميسرة طويلة الأجل لتعزيز جهود التنمية في مصر بعد حرب أكتوبر عام 1973.

 اجتمع مجلس إدارة الهيئة بحضور أعضائه الأربعة وتوصل إلى اتفاق يهدف إلى توجيه مساعدات الخليج لمصر أو توجيه معظمها لتمويل مشروعات إنتاجية في مصر كي تفيد مصر ويظل تأثيرها في المدى البعيد تعبيرا عن جدية التعاون العربي وفوائده.

وكان علينا التفاهم مع الجهات المصرية حول توجيه هذه المساعدات بشكل رئيسي نحو الاستثمار وتعزيز جهود مصر في التنمية. فكلف المجلس الدكتور عبد العزيز الدخيل رئيس مجلس المدرين بأن يقوم بالاتصالات اللازمة مع الجهات المصرية وتشجيعهم على تقديم قائمة بأوجه الاستثمار التي يقترحونها.

في اجتماعنا التالي في الكويت، على ما أذكر، قدمت لنا الحكومة المصرية تصورا أوليا لتمويل عجز ميزان المدفوعات وتمويل وإرادات المواد الغذائية الرئيسية بشكل عاجل. وكان هذا ما نخشى التوجه إليه، فقد كان هدفنا أن تكون مساعدات الخليج لمصر، في شكل قروض استثمارية طويلة الأجل، قادرة على تعزيز جهود التنمية في مصر ومتمكنة في الوقت نفسه عمن تحقيق إرباح لتسديد تلك القروض من الفائض ألاقتصادي الذي ستحققه تلك المشروعات لمصر.

وعندما قمنا بزيارة رسمية لمصر، أعدنا محاولة الإقناع بشكل ودي وأخوي مع جهات الاتصال المصرية. وأوضحنا لها أن هذه المساعدات التنموية يجب أن تكون مدخلا للتعاون وأن تستثمر في مشروعات محسوسة دائمة يشعر بها المواطن في مصر وفي الدول الأعضاء في الهيئة، لكي ينمو هذا التعاون وتتسع أفاقه لتشمل القطاع الخاص إلى جانب القطاع العام.

 كما أكدنا لهم أنه لا بأس من أن يوجه جزء من هذه المساعدات لسد حاجة مصر في استيراد المواد الغذائية، ويذهب جزء منها على سبيل المثال لتطوير إصلاحات استراتيجية في مجال إدارة الاستثمار وتسهيل إجراءاته، مثل تطوير الإدارة العامة في مصر من قبل المصريين أنفسهم وربما تمويل إنشاء هيئة مصرية عامة حديثه تختص بشؤون الاستثمار وتيسر معاملات المستثمرين المصرين والعرب والأجانب لتخفيف الإجراءات البيروقراطية وجذب الاستثمارات واستقرارها. وأوضحنا لهم بأننا نرى أن يوجه القسم الأكبر من هذه المساعدات للاستثمار في مشروعات اقتصادية منتجه تختارها الحكومة المصرية وفقا لخطة التنمية، ليمكن تسديد القروض الميسرة في المدى الطويل.

******

مر عام 1976 دون أن نحقق أي تقارب بين وجهتي النظر، وواجهتنا جهات الاتصال المصرية التي يبدو أن تعليماتها كانت باتجاه الاستفادة من مساعدات دول الخليج لتوفير تمويل لاستيراد المواد الغذائية الرئيسية وسد عجز ميزان المدفوعات وتسديد بعض القروض المستحقة للبنوك التجارية على مصر، في وقت كانت فيه مصر تسير باتجاه تسويات دولية – اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل- كان يجب أن يسبقها شعور شعبي في مصر بحل بعض الأزمات الاقتصادية الملحة.

وحسب ما أذكر، فإن المشروع الوحيد الذي قدم لنا من أجل تمويله كان مشروعا لتجميع سيارات فورد في مصر، وكان ردنا بان شركة فورد مقاطعة في بقية الدول العربية ولا نستطيع تمويل هذا المشروع بالذات ولكن يمكن أن نمول مشروعا أخر لتجميع السيارات في مصر.

في مطلع عام 1977، قامت في مصر اضطرابات 6 و7 يناير، وكادت تتحول إلى انتفاضة شعبية، وفوجئنا نحن أعضاء مجلس مدراء هيئة الخليج للتنمية في مصر بأمر يصدر من متخذي القرار في الدول الأعضاء في الهيئة، يأمرننا بتلبية طلبات الجهات المصرية وتقديم المساعدات لهم وفق ما يرونه مناسبا. وهنا لم أجد في بقائي في عضوية مجلس مدراء الهيئة أية فائدة واعتذرت لوزير المالية عن عدم الاستمرار في عضوية مجلس إدارة الهيئة ممثلا لقطر.

وعلى هامش هذا التكليف الذي سعدت بقبوله مثلما كان علي أيضا الاعتذار عنه، اذكر أن الزملاء أعضاء مجلس إدارة الهيئة في آخر اجتماع حضرته كانوا يرون أن تتحول هذه المساعدات إلى هبات لمصر لا تحتاج هيئة للتنمية من أجل إدارتها، وهذا أيضا سيجنب مصر في المستقبل أعباء استرداد هذه الديون التي استخدمت لسد حاجة استهلاك جار ويصعب تسديدها.

 

عضوية لجان مشتركة للتعاون

في هذه الفترة سادت حالة من الرغبة في التعاون بين دول الخليج العربي ربما كانت مؤشرا على بوادر الحاجة لمجلس التعاون، فتشكلت لجان مشتركه بين هذه الدول. وقد وجدت نفسي معينا من قبل وزير المالية والبترول عضوا في لجنة التعاون مع الإمارات ولجنة التعاون مع الكويت. ولكنني الآن لا أذكر الكثير عن اجتماعات تلك اللجان ونتائج عملها، ربما لأن تلك اللجان لم تعمر طويلا ولم تحقق إنجازات تستحق الذكر.

وفي الفترة نفسها أيضا، تم تعيني رئيسا للجنة مشتركة للتعاون ألاقتصادي بين قطر وبريطانيا، ربما لأني قد نلت درجة الدكتوراه من جامعة دَرَمْ في انجلترا حديثا. وعقدنا اجتماعا في قطر كان هدف الجانب البريطاني منه أن يكون لبريطانيا نصيب من المشروعات التي تنوي قطر القيام بها، إضافة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين قطر وبريطانيا، هذا فضلا عن خلق صلات مباشرة بين الدبلوماسيين الإنجليز في قطر وزوارهم من رجال الأعمال البريطانيين من جهة وبين مسؤولين في قطاعات مختلفة من الاقتصاد القطري من جهة أخرى. ولم أستمر في هذه اللجنة كثيرا، فموضوعها العلاقات مع بريطانيا، وهناك من هو أفضل مني وأقدر على تطوير العلاقات التقليدية مع بريطانيا، كما أنها حسب تقديري لم تحقق الطموح الذي كان تصبو إليه السفارة البريطانية في قطر من قيام هذه اللجنة، ولم يعد الإنجليز متحمسين لاستمرارها.

الاجتماع التأسيسي لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية

وفي عام 1976 عينت أيضا عضوا في وفد قطر للاجتماع التأسيسي لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية، التي ستتخذ من مدينة الدوحة مقرا لها. كانت الوفود المدعوة للاجتماع تمثل دول الخليج العربي الست بالإضافة للعراق. وقد سبق للعراق أن شارك مع بقية دول الخليج العربية في مكتب التربية العربي في الرياض ودورة الخليج لكرة القدم ومؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك في الكويت الذي كان من أنجح إنتاجه حسب علمي برنامج "افتح يا سمسم".

ساد تلك الفترة، كما سبقت الإشارة، تفاؤل بالتعاون العربي وأمل في تنمية تكامل بين دول الخليج العربية في إطار التكامل العربي الذي سبق الحديث عنه. وكان تأسيس منظمة الخليج للتنمية الصناعية يعبر عن رغبة في إيجاد بيت خبرة في مجال الاستشارات الصناعية وتشجيع التعاون في مجال الصناعات كافة والصناعات كثيفة الحاجة للطاقة خاصة، ومنها البتر وكيماويات على وجه الخصوص.

وأذكر أن نقاشا جادا قد دار عند تحديد أغراض المنظمة والموارد المتاحة لها وأهمية الكفاءة والمهنية في قيادتها وكوادرها الاستشارية. وكان هناك خلاف في وجهات النظر حول مدى ترك المبادرة للمنظمة في دراسة مشروعات صناعية وترويجها في القطاع العام والخاص في دول المنطقة، كي لا تصبح المنظمة أسيرة البطء في اتخاذ القرار في العمل الحكومي، فما بالك إذا كان هناك سبع حكومات؟. وحسب ما أذكر، فقد كان هناك اتجاه عام لتشجيع منظمة الخليج للاستشارات على المبادرة وعدم تركها رهينة الروتين الحكومي.

وقد اتضح ذلك الاتجاه الجاد عند اختيار الأمين العام للمنظمة الدكتور علي عبد الرحمن الخلف من جامعة النفط والمعادن في الظهران بالمملكة العربية تعبيرا عن اهتمام وزارة الصناعة والكهرباء في المملكة العربية ووزيرها غازي القصيبي بمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية ودورها المأمول. وكذلك اختيار الأمين العام المساعد الدكتور احمد النائب المدير العام لهيئة الكهرباء في العراق نائبا له لشؤون الدراسات، والأستاذ عبد اللطيف حسن الجابر من وزارة التجارة في قطر نائبا للشؤون الاقتصادية والإدارية.

وقد ربطتني صداقة متينة بالأخ علي الخلف الذي أصبح بعد ترك المنظمة استشاريا معروفا ورئيسا لشركة الخطوط الجوية السعودية ورئيسا لمجلس إدارة مصنع الحديد والصلب التابع لشركة سابك في الجبيل بالمملكة العربية. وكان الصديق علي الخلف من مؤسسي ‘منتدى التنمية‘. كما تنامت معرفتي واحترامي لشخص احمد النائب الذي أصبح مديرا لجامعة المستنصرية في العراق بعد انتهاء فترة إعارته. أما عبد اللطيف الجابر فهو صديقي الذي لم ينقطع الود معه قط منذ أيام الدراسة.

وأذكر أنني طالبت على الخلف بحكم الاهتمامات المشتركة بقضية التنمية، أن يستمر أمينا عاما للمنظمة فترة ثانية لمدة أربع سنوات، فقال لي: ‘بنيت المنظمة بشريا وإداريا وفنيا وأتركها في أحسن حال ليأتي غيري لتشغيلها‘. وكان ردي من باب المماحكة، ‘استمر أنت أمينا عام لفترة ثانية لتبرهن على أن النموذج الجيد الذي صممته قابل للعمل‘.

وبحكم علاقتي مع قيادة المنظمة وكوادرها، استمرت صلتي بها بعد أن تركها الأخ علي الخلف. وكنت قريبا من عملها مشجعا له ومستفيدا من دراساتها في عملي وفي بحوثي واهتماماتي. وبعد أن تغير الأمين العام الثاني جاء الدكتور عبد الله المعجل أمينا عاما للمنظمة وطلب مجلس المنظمة من مكتبي لتدقيق الحسابات أن يقوم بمهمة التدقيق الخارجي للمنظمة بعد حوالي ثمان سنوات من عمرها المديد. وقد استمررت أدقق حسابات المنظمة لعدة سنوات.

 

 

 

 

 

 

 

 

3-3 ألنشاط الاكاديمي والنشر العلمي

 

بعد استراحة قصيرة من البحث العلمي عند التحاقي بقطاع النفط، انشغلت فيها بوظيفتي الجديدة وترتيب أموري الشخصية والعائلية، عدت للاهتمام بالبحث العلمي الأكاديمي. وكان البحث الأول الذي كتبته خلال هذه الفترة بعنوان "أوجه استخدام عائدات النفط في العراق 1944-1971" الذي نشرته مجلة "دراسات الخليج والجزيرة العربية" بالكويت في شهر مارس/آذار 1977. وأعدت نشره في كتابي هموم النفط وقضايا التنمية. وهو بحث كان الغرض منه معرفة نمط تخصيص عائدات النفط في العراق عن الفترة نفسها التي درست فيها نمط تخصيص عائدات النفط في إمارات الخليج العربي ومقارنة نمط تخصيص النفط في العراق مع نمطه في أمارات الخليج.

وقد وجدت أن تخصيص عائدات النفط في العراق في الفترة من 1944 إلى عام 1971، كان أفضل في العراق من حيث أوجه الإنفاق، حيث لم تكن هناك مخصصات محددة من عائدات النفط للأسرة المالكة. ولكن العراق، مثل إمارات الخليج العربي، أنفقت حوالي 70% من عائدات النفط تلك على النفقات الجارية والتحويلية وحوالي 30% فقط علي البنية التحتية الأساسية والاستثمار من خلال مجلس الأعمار، ولم تراع العراق مع الاسف مثلما لم تراعي أمارات الخليج الطبيعة الناضبة للموارد النفطية وضرورة توجيه الجزء الأعظم منها للاستثمار في اصول منتجه من أجل بناء قاعدة اقتصادية بديلة لصادرات النفط، خصوصا بعد ثورة 1958 في العراق وإلغاء مجلس الأعمار الذي كانت تعود له عائدات الحكومة من النفط لاستثمارها في مشروعات البنية التحتية.

******

وكنت قد أكملت التحقق من أرقام هذا البحث من الحسابات الختامية للميزانيات العامة في العراق بعد أن انتهيت من كتابة رسالة الدكتوراه في جامعة دَرَمْ عام 1974، وقمت بكتابة البحث بعد عودتي خلال عام 1975 وأرسلته بعد أن قام صديقي الشاعر حسن نعمة مشكورا بمراجعته لغويا، إلى مجلة "النفط والتنمية" التي كان يرأس تحريرها في بغداد الدكتور عبد الرحمن منيف. ولكن مجلة النفط والتنمية في العراق لم ترد علي، فأرسلته للدورية التي يصدرها مركز دراسات الخليج في جامعة البصرة، والتي أشغل عضوية هيئة التحرير فيها، ولكنه أيضا لم ينشر في العراق. فبعثت به لمجلة "دراسات الخليج والجزيرة العربية" في جامعة الكويت التي عينت عضوا في مجلس إدارتها، فنشر البحث متأخرا أكثر من عام.

وعندما سافرت إلى العراق بعد ذلك بمدة، زرت الدكتور عبد الرحمن منيف الحاصل على شهادة الدكتوراه في اقتصاديات النفط، للتعرف عليه والاستفسار منه عن سبب عدم نشر بحثي عن العراق في مجلة النفط والتنمية التي كنت أتابعها. فاعتذر الأخ عبد الرحمن مني وقال إن بعض أعضاء هيئة تحرير مجلة النفط والتنمية يعمل وكأنه رقيب ذاتي، ولذلك فإنه قد استقال من رئاسة التحرير وينوي مغادرة العراق ليتفرغ لكتابة الرواية والاهتمام بالأدب الذي يعشقه بدل النفط الذي تخصص في اقتصادياته.

******

أما البحث الثاني الذي انشغلت به خلال هذه الفترة فكان دراسة "الاستخدامات البديلة للغاز الطبيعي غير المصاحب في قطر" التي سبقت الإشارة إليها. واستمرت دراستي هذه في إطار عملي الرسمي حتى بدأت تفرغي الدراسي في أواخر عام 1978، حيث نشرتُ الدراسة باللغة الإنجليزية في مجلة تصدر في قبرص اسمها Arab Oil and Gas، ثم أعدت كتابة البحث بعد توسيع إطار حالة قطر لتشمل بقية دول الخليج العربي ونشرته عام 1981 في مجلة "النفط والتعاون العربي"، المجلة الأكثر تخصصا في شؤون النفط في الدول العربية والتي تصدرها منظمة الدول العربية المنتجة للنفط (الأوابك ). وبعد نشرها علمت أن شركة سابك في المملكة العربية ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ووضعتها في كتيب يوزع ضمن منشوراتها الرسمية للدفاع عن وجهة نظرها في إقامة الصناعات البتروكيماوية في الخليج العربي، لما يتوفر فيها للدول المنتجة للغاز الطبيعي من ميزات نسبية.

ولا يفوتني هنا أن أذكر علاقتي الطيبة بالدكتور علي عتيقة الأمين العام للأوابك وعدد من الخبراء العرب الذي كانت تجمعني معهم هموم النفط وقضايا التنمية. وأذكر منهم الدكتور وليد خدوري والدكتور إبراهيم الإبراهيم الذي أصبح مستشارا في الديوان الأميري في قطر والدكتور أسامة الجمالي وآخرين لا أذكر أسماءهم الكريمة في الوقت الحاضر.

وقد شجعتني معرفتي بأسامة الجمالي أن أزور والده السياسي العراقي المخضرم فاضل الجمالي اللاجئ السياسي في تونس. وعند زيارته برفقة الصديق مسارع الراوي الخبير في المنظمة العربية للثقافة والعلوم والآداب في تونس، استمعت من الدكتور فاضل الجمالي عن القضية التي حكم فيها المهداوي في عليه بالإعدام وبالسجن خمسين سنة أيام حكم عبد الكريم قاسم. وأردف الشيخ الجليل قائلا وهو يضحك: ‘حتى الآن لا أعرف هل سيعدمني ويسجنني خمسين عاما أم انه ينوي سجني خمسين عاما ويعدمني بعد ذلك‘!

والجدير بالذكر أن تهمة فاضل الجمالي، الذي تبوأ منصب وزير الخارجية ورئاسة مجلس الوزراء في العراق أثناء العصر الملكي، كانت القيام بمحاولة قبل ثورة 1958 في العراق، لتوحيد سوريا والعراق في ما كان يعرف بالاتحاد الهاشمي الذي يضم العراق والأردن.

ومن حسن حظ فاضل الجمالي أنه كانت له أياد بيضاء في نضال المغرب العربي من أجل الاستقلال في مطلع خمسينيات القرن العشرين. فقد كان يوظف في بعثة العراق للأمم المتحدة في نيويورك مندوبا مغربيا يتابع قضية استقلال المملكة المغربية وأخر تونسيا يتابع قضية استقلال تونس. وعندما حكم عليه المهداوي بالإعدام وخمسين سنة سجنا، توسط له الملك محمد الخامس ملك المغرب والرئيس الحبيب بورقيبة لدى الحكومة العراقية وطالبا بالعفو عنه. وبعد الإفراج عنه، استضافته تونس واستمرت فيها إقامته وصلته بالجامعة التونسية.

******

البحث الثالث الذي نشرته خلال هذه الفترة كان بعنوان " النفط وعائداته: خيار بين الاستهلاك والاستثمار"، وهو بحث محدث اشتق من خلاصة رسالة الدكتوراه، ألقيته في ندوة "التنمية والتعاون الاقتصادي " الذي نظمته جامعة الكويت والجمعية الاقتصادية الكويتية والمعهد العربي للتخطيط بالكويت بتاريخ 29 ابريل – 2 مايو 1978. ونشر في مجلة "الخليج العربي" بجامعة البصرة عام 1980.

وقد جاء إعداد هذا البحث الذي لم يُلتفتْ له في قطر حينها، ضمن الاهتمام في المنطقة بفشل الطفرة النفطية الأولى في تحقيق تغيير يستحق الذكر في نمط توظيف النفط وعائداته وربطهما باعتبارات التنمية، على الرغم من التفاؤل الذي ساد في بداية الطفرة النفطية الأولى عام 1974.

كانت الكويت في ذلك الوقت مركزا للحوار ولنشر الفكر والثقافة العربية، وكان سقف الطرح الوطني والقومي فيها عاليا منذ أن انعقدت فيها أبرز الندوات الفكرية العربية بعنوان "أزمة التخلف الحضاري" عام 1972. وكنت، إلى جانب اهتماماتي وعملي في قطر، أعتَبَر مساهما في تنمية الفكر التنموي وإخضاع النفط لاعتبارات التنمية، وأتردد على الكويت بحكم صداقاتي الكثيرة ومساهمتي في مجلس إدارة "مجلة الخليج والجزيرة العربية" وعلاقتي مع جامعة الكويت والمعهد العربي للتخطيط الذي كان الأخ عبد الله محمد علي مديره والصديق عبد المحسن مظفر أمينه العام ودينامو النشاط فيه. وكان المعهد، على ما اذكر، يضم نخبة من الخبراء العرب منهم محمد محمود الإمام وإبراهيم سعد الدين عبد الله وعارف دليله ومحمد صادق ونادر الفرجاني، وحيدر ابراهيم علي. وليعذرني من خانتني الذاكرة في الاحتفاظ باسمه الكريم في ذاكرتي.

وكما ألمحت، فإن أحدا لم يلتفت إلى هذا البحث المشتق والمحدث من رسالة الدكتوراه في قطر عندما تم تقديمه ونشره للمرة الأولى. ولكن عندما نشرته في كتابي "هموم النفط وقضايا التنمية" بعد ذلك بعدة سنوات، عام 1985، فإنه كان سببا في قطع معاشي في المؤسسة العامة القطرية للبترول ومنع كتاب "هموم النفط وقضايا التنمية" من دخول قطر. كما كان سببا في حظر نشر مقابلة لي في جريدة "الراية" أجراها معي، على ما أذكر، الكاتبان الصحفيان الأخت الفاضلة مريم السعد والأخ العزيز جاسم النصر عام 1985.

كما كان بحث "النفط وعائداته: خياران بين الاستهلاك والاستثمار"، سببا للتحقيق مع خلدون النقيب بعد ذلك بعدة سنوات عند ما استشهد بالبحث في ذكر مخصصات الأسرة الحاكمة في الكويت وقال إنها بلغت 5% من عائدات النفط. وهذا ما سبق وذكرته في رثائي للدكتور النقيب حيث قال للمحقق معترضا على اعتقاله والتحقيق معه: إن المصدر رسالة علمية محكّمة لعلي خليفة الكواري الذي ذكر أيضا أن الأسرة الحاكمة في قطر تقاضت 50% من عائدات النفط ولم يسجن أو يحقق معه جراء ذلك.

وعلى كل حال، لم يدم طويلا منع كتبي ونشر مقالاتي في قطر. فنشرت ثلاثة أجزاء من المقابلة الصحفية دون نشر الجزء الأول منها الذي يتكلم عن "نادي الطليعة". أما راتبي في المؤسسة فقد أعيد صرفه بعد أن خفض إلى النصف. ولكنني لم أراجع في أمر قطع الراتب أو تخفيضه وإنما تركت أمره لمن اتخذ ذلك القرار ضدي، ربما بحكم عادة السلطة ورغبتها في ردع الآخرين من خلال معاقبتي على التعبير الحر عن الرأي.

******

وكان البحث الرابع في الأصل محاضرة عامة بعنوان "التغيرات الجديدة في صناعة النفط" قدمتها ضمن الموسم الثقافي لوزارة التربية والتعليم في مطلع عام 1978 عندما كنت نائبا لرئيس مجلس الإدارة في الهيئة القطرية لإنتاج البترول. ثم طورتها إلى بحث نشر في مجلة "الخليج والجزيرة العربية" بجامعة الكويت عام 1978 تحت عنوان" صناعة النفط في الخليج العربي : من اهتمامات الماضي إلى تحديات الحاضر". وأعدت نشره في كتابي "هموم النفط وقضايا التنمية".

 كانت تلك المحاضرة العامة أول محاضرة ألقيها في قطر، وكان حضور الموسم الثقافي حاشدا جمع المهتمين من القطرين والمقيمين العرب وعدد من السفراء المعتمدين في قطر. وتم تسجيل المحاضرة من قبل تلفزيون قطر وأذيعت عدة مرات خلال الأيام التالية. وأعتقد أنها كانت، بالنسبة لي، تمثل رؤية لصناعة النفط في قطر كنت أعمل مع زملائي في المؤسسة والهيئة على تحويلها إلى سياسة وخطة وبرنامج عمل.

وقد تركت تلك المحاضرة صدى طيبا في قطر، ورفعت من همة زملائي في قطاع النفط. وبالنسبة لي، كان اهتمام سمو الأمير بها أمرا أسعدني وقرب المسافة بيني وبين الرجل الذي كانت طموحاته لا تختلف عن طموحاتنا، ولكن اعتبارات الحكم والسياسة كانت تحد من تلك الطموحات وتؤدي إلى تضاربها احيان.

فبعد يومين من إلقاء المحاضرة، استدعيت لمقابلة الأمير كالعادة. وبعد أن سلمت عليه قال لي: "أشكرك على محاضرتك واتفق معك في معظم ما جاء فيها". فقلت له مندهشا: "هل شاهدت تسجيلا للمحاضرة "؟ قال: "نعم شاهدت تسجيلا لها في اليوم الثاني، والبارحة عندما عرضت في التلفزيون شاهدت معظمها مع العائلة في البيت". وقد فرحت واندهشت لبساطة الرجل وقلت له: "كثر الله خيرك لأنك وجدت وقتا لتشاهد محاضرتي مرتين". . فقال لي: "أنا أفتخر بكل قطري وكل عمل جيد يقوم به قطري".

******

ولا يفوتني أن أذكر هنا بداية علاقتي الأكاديمية بجامعة قطر، ربما قبل أن تتحول كلية التربية في قطر إلى جامعة قطر. ففي عام 1976، اتصل بي مدير كلية التربية ومدير جامعة قطر عند تأسيسها عام 1977 الدكتور محمد إبراهيم كاظم الذي تعرفت عليه من خلال الصديق عبد جمعه الكبيسي المبتعث من الكلية وقتها إلى جامعة دَرًمْ في بريطانيا لدراسة الدكتوراه. وسألني الدكتور كاظم إن كنت أرغب في تدريس اقتصاديات النفط في الكلية كمادة اختيارية. رحبت بالعرض الذي أسعدني، فقد كانت الحياة الأكاديمية قريبة من نفسي وذهني. وبدأت في العام الدراسي 1976/1977 بتقديم مقرر مبادئ الاقتصاد مع التطرق لاقتصاديات النفط حسب رغبة الدكتور كاظم، واستمررت في تدريس تلك المادة الاختيارية عندما تأسست الجامعة وحتى وقت تفرغي الدراسي في جامعة هارفارد.

وأذكر من الطلاب الذين درّستهم خلال العامين الذين قمت فيهما بالتدريس: غانم المهندي وعبد العزيز المهندي وعبد الوهاب المطوع وسلطان البادي و أبو حليقة وشاب أسم عائلته الزيارة وآخرين. كما تعرفت أيضا على الدكتور محمد رياض أستاذ الجغرافيا المتميز والمثقف الجاد الدارس للأنثروبولوجيا في جنوب السودان. وقد ربطتني به صداقة حميمة في قطر وفي مصر بعد أن تقاعد من التدريس وتفرغ للبحث العلمي في جامعة عين شمس.

 

 

 

 

 

 

 

 
 

(3-3-1) أول تعارف مع الأديب الروائي الصديق عبد الرحمن منيف .