نحو دور عربي أهلي معني بحل أزمة الخليج
منذ البداية، لا بد من التأكيد على أن الحل لازمة الخليج يجب ان يكون حلا سياسيا تراعى فيه المصالح العليا للعرب وفي مقدمتها مصلحة الشعب الكويتي. وغني عن البيان والتوضيح ان كل يوم يمر على استمرار الأزمة هو كارثة متصاعدة بالنسبة لشعب الكويت المقيم على أرضه، وتهديد لسكان المنطقة، وعامل تفكيك لروابط الاخوة بين الشعوب العربية التي تتضرر بفعل تداعيات الأزمة. كما يجب التأكيد ايضا على ان الحرب دمار شامل مادي ومعنوي، ليس بالنسبة لشعب الكويت والعراق ودول مجلس التعاون فحسب، وإنما لمعظم الشعوب العربية الأخرى. وهي فوق ذلك ضياع لقضايا العرب والمسلمين وطموحاتهم المشروعة. لذلك فأن أزمة الخليج ان تم حلها سياسيا عن طريق جهد عربي أو إسلامي أو دولي متجرد فان حاضر العرب ومستقبلهم سوف يكون افضل من ماضيهم بشكل محسوس. أما إذا حسمت بعمل عسكري أمريكي فان الدمار المادي والمعنوي مصير العرب أجمعين محكومين وحاكمين. ومن هذا المنطلق يجب ان لا نركن إلى خيار الحسم العسكري بل يجب ان نسبقه بحل سياسي يصون الكويت ويحفظ العراق ويحمي العرب والمسلمين من هيمنة أعدائهم. وعلى أي الأحوال فهناك ما يكفي من الاعتبارات والدوافع لدى آخرين لاستمرار الخيار العسكري والذي يبدوا ان لنا القليل من القدرة على منعه والقليل من المصلحة فيه لذلك فان دعوتنا إلى التعامل سياسيا مع أزمة الخليج هي دعوة تدرك ضرورة السباق مع الزمن للحيلولة دون وقوع كارثة الحرب التي لا بد أنها واقعة إذا لم تحل أزمة الخليج سلميا.
ومما يؤسف له حقا، ان العرب على المستوى الرسمي والأهلي حتى وقتنا الحاضر وقفوا عاجزين عن احتواء الأزمة بعد ان انقسموا فيما يشبه الحرب الأهلية، بين منادين بالحسم العسكري ومعاقبة العراق، وبين مطالبين بحل عربي بعيدا عن أهداف الحشد العسكري الأجنبي في المنطقة. وقد شل هذا الانقسام الخطير قدرة العمل العربي الأهلي، وتعطل بموجب ذلك عقل الأمة وتمزق ضميرها. فمن هم يا ترى أولى من عقلاء قيادات الفكر والعمل السياسي الأهلي بالتعبير عن ضمير الأمة والتفكير من اجل إنقاذ حاضرها وضمان مستقبلها. لقد اصبح العرب بهذا الانقسام يفتقرون إلى موقف بناء. واصبحوا مجرد شهود على انتحار أمتهم، وضياع ثمرات جهاد أجيال عربية في سبيل الاستقلال والسيادة وبناء مجتمعات تنعم بالأمن والنماء وتساهم من خلال حضارتها العربية – الإسلامية في بناء مجتمع دولي إنساني تصان فيه الحقوق وتؤدي فيه الواجبات.
ومما لاجدال فيه اليوم، ملاحظة غياب أي دور إيجابي فعال للعمل الأهلي يكون معنيا بحل أزمة الخليج في ضوء المصالح العليا للعرب والمسلمين. لقد تعطل حتى الان كل جهد عربي إيجابي نتيجة صدمة اجتياح العراق للكويت وماتلى ذلك من آلام تكبدها شعب الكويت العربي المسلم من ناحية ... ومن ناحية أخرى نتيجة لمؤشرات الحسم العسكري الأمريكي المتلاحقة والمتصاعدة باستمرار لقد بدأ منذ الساعات الأولى للاجتياح العراقي ان الأمر قد تقرر حسمه عسكريا من قبل الولايات المتحدة وليس بقدرة أحد ان يثني الولايات المتحدة عن تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة التي تم التصريح بها قبل الاجتياح العراقي وبعده والتي تفرضها الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة وفي العالم. لقد أثرت الولايات المتحدة على خيارات العرب، وشلت نظامهم الإقليمي، مما ترك العمل الرسمي والأهلي ضائعين تحت رحمة انتظار الحسم العسكري.
والآن وبعد ان مر حوالي أربعة اشهر على أزمة الخليج يجب ان يكون الذي قد ركنوا إلى قرار الحسم العسكري ومعاقبة المعتدي، قد تأكدوا ان قرار الحسم العسكري ليس في أيديهم ولا هو مرهون بقرارهم ومصالحهم، بل هو في أيدي دول عظمى مرهون بمصالحها وحساباتها التي لا تأخذ مصالح العرب في الاعتبار. ان قضية شعب الكويت قضية عادلة لا يجوز لكل من يعتقد بعدالتها ان يركن إلى حرب أمريكية مدمرة للعرب من أجل كسبها . ان شعب الكويت أو شعب العراق لا يمكن أن يربح أي منهما فيما تخسر الأمة العربية جمعاء فيه. فهل يسمح لنا طرفي الحرب الأهلية العربية، بعد هذا العجز الرسمي والأهلي، بفعل انقسام العرب، أن ندعو ذوى الغيرة والقدرة من رموز الفكر السياسي في مختلف البلدان العربية إلى كلمة سواء، تخلص شعب الكويت من تبعات الاحتلال، وتحفظ شعب العراق وتصون قدراته، وتجنب العرب كارثة لا يرغب غير أعدائهم في وقوعها. ولن يخسر أحدا من ذلك، فكل الخيارات الأخرى مستمرة، من الحسم العسكري الذي خرج قراره من أيدي العرب، إلى الجهود الدبلوماسية الرسمية الدولية منها والعربية. ان كل ما نطالب به إضافة جهد أهلي عربي مسئول لعل الله يجعله سببا في اختصار فترة المعاناة وينفع به كل الجهود الخيرة التي تسعى إلى استباق الحرب المدمرة بحل سياسي لازمة الخليج.
لقد واجه حتى الآن – ويا للآسف – كل من يرى الأمور بغير منظار الآخر إرهابا فكريا عطل الفعل العربي الأهلي الإيجابي، لتحل مكانه ردة الفعل السلبية غير المسئولة. وهذا الإرهاب الفكري آفة حياتنا العربية المعاصرة، التي لا تتحمل الرأي الآخر وتنكر حرية التعبير وتمنع المواطن، تحت طائلة التهديد، من التعبير عن راية في قضاياه المصيرية، ومنها أزمة الخليج التي لولا فقدان حياة العرب السياسية للديمقراطية وافتقارها إلى احترام حقوق الإنسان لما كان لها أن تقع أصلا. لذلك لا يوجد عذرا في الوقت الحاضر لعقلاء الأمة، التي منعتهم حتى الآن ظروف الحرب الأهلية العربية من المحاولة، من ان يبادروا إلى تنمية تحرك أهلي عربي يعمل في سباق الزمن من أجل ضمان حل سياسي لازمة الخليج. وحري بعقلاء الأمة وأصحاب الضمير الحي فيها أن يروا أن القضية أخطر والكارثة أعظم من أن تبسط النظرة في أسبابها أو أبعادها، كما يستحيل تشخيصها وعلاجها بمنظار الأبيض أو الأسود. ان أزمة الخليج جد معقدة وليس غير العقل المتمكن من كبح جماح العاطفة بقادر على أن يقترب من رؤية عربية إسلامية، وينمي حركة أهلية تمارس الضغط على العمل الرسمي العربي من اجل تحمل مسئولياته في إيجاد حل سياسي سلمي تراعى المصالح العليا للبلاد العربية فيه، ولا يخل بمبادئ الشرعية الدولية. ان مثل هذه الرؤية المسئولة والحركة الجادة هي وحدها القادرة على كسب احترام الرأي العام العالمي والتعاون معه. ان الشعوب الأوروبية والشعب الأمريكي عندما يدركون وجود رؤية عربية لحل أزمة الخليج ويلمسون وجود حركة أهلية جادة سوف تتغير لديهم الصورة التي اختزلها الأعلام الغربي لمنطقة الأزمة باعتبارها شبه خالية ليس بها سوى صحراء وجمل وبئر نفط.
وبعد، فان هذا نداء موجه إلى ذوى الغيرة والقدرة والى المؤسسات والمنظمات والاتحادات الأهلية في البلاد العربية لان تقوم بدعوة رموز الفكر والعمل السياسي الأهلي من أجل القيام بدورهم الاستراتيجي من توحيد رؤية الأمة حيال أخطر أزمة تواجهها ... وتمكين الرأي العام العربي من أن يكون لـه دورا إيجابيا في حل الأزمة سلميا. فهل من مجيب أم أننا اكتفينا بإعلان ما نعتقده انه مواقف مبدئية في بيانات ومقالات تقليدية حيال أزمة يتوقف على كيفية التعامل معها حاضر الأمة ومستقبلها.
والله من وراء القصد،،،