أحمد خليفة السويدي: الرجل والأخ والصديق

الحديث عن صديق استمرت صداقته غير منقطعة على مدى نصف قرن، منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين حتى اليوم ، يحتاج إلى مساحة كافية للكتابة. وإذا كان هذا الصديق علم من أعلام المنطقة العربية جمعتني معه منطلقات متقاربة وهموم واهتمامات ومبادرات مشتركة تستحق آن تذكر فان المساحة المتاحة للكتابة في الملحق الثقافي لجريدة الخليج في الشارقة والتي كانت بدورها منبرا لتلك الهموم والاهتمامات والمبادرات ، لا تفي احمد خليفة السويدي أخي العزيز وصديقي الدائم عبر المسافات وبالرغم من اختلاف المواقع والاجتهادات، حقه من التعبير والتقدير الذي يستحقه أبو محمد لما قام به من دور وطني وقومي إضافة إلى دوره الإنساني في الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية.

فمعالي الأستاذ احمد خليقة السويدي مثال للسياسي الذي يتعامل مع السياسة باعتبارها فن الممكن ولذلك مارس التجربة الشجاعة في حكومة الإمارات العربية وشارك في اتخاذ القرارات في الحدود المتاحة لاتخاذ القرارات أو التأثير عليها، انطلاقا من الممكن وليس المفترض والمرغوب. وقد حرص احمد عندما كان في مركز اتخاذ القرار وبعد ذلك على أن لا يقطع شعرة قد تصله بالناس فاستحق التقدير والحب من جميع الأوساط في الإمارات وفي الخليج العربي وجميع أرجاء الوطن العربي والعالم . ولعل حرص احمد خليفة السويدي السياسي والإنسان على اتصال شعرة معاوية ما استطاع إلى ذلك سبيلا، هو السبب فيما يظنه البعض انسحابا متزايداً من السياسة وابتعاداً عن المشاركات العامة التي يسعى الجميع إلى تزكية احمد لها بالحضور والمشاركة .

فأبو محمد هنا يصدق عليه قول الشاعر العربي "لولا التشهد لصارت لأه نعم". ولذلك فان انسحابه الظاهر فقط ، وصعوبة الاتصال به تعبر عن تقديره للصعوبة التي قد يجد نفسه فيها مضطرا إلى الاعتذار من طالب حاجة أو ساع إلى نجدة ليس في مقدور أبو محمد أن يلبيها دائماً. فالحاجة عند احمد مقضية والنجدة مستجابة هكذا يفهم احمد نفسه ودوره ولا يحب آن يرد سائل أو يسوفه مهما كان الطلب وقدرة احمد على تلبيته ، وإذا تعذر ذلك فانه يجد حرج في تلقي طلب وصد من يلجئ إليه مهما كانت وجاهة ذلك الطلب من عدمه . وهذه الميزة في احمد قد تكون أيضا مصدر عتب أصدقاءه عليه "فما لا يدرك كله لا يترك جله" ووجود احمد مع الناس ومشاركته في نشاطاتهم العامة تزكية وتعزيز للجهود الخيرة ، يستحق منه أن لا يفرط في الحساسية تجاه ما لا يستطيع أن يلبيه من حاجة محتاج .

وفي هذا المقام وبالرغم من ضيق الحيز المتاح للكتابة ، لابد لي من ذكر مبادرة من المبادرات الخيرة التي شهدت ولادتها في مطلع عام 1979 لأبين تأثير مبادرات احمد خليفة السويدي على العمل الأهلي في منطقتنا المحرومة من مجالات العمل الأهلي . وقد جاءت المبادرة في سياق ما سمعته منه عن نية دول المنطقة في إقامة تجمع سياسي إقليمي (مجلس التعاون قبل قيامه عام 1980) ربما يكون قريبا من فكرة الاتحاد التساعي بانضمام كل من الكويت والمملكة والسلطنة إلى قطر والبحرين واتحاد الإمارات الذي اصبح يجمع سبع إمارات سابقة .

فقادنا الحديث إلى مجال من مجالات العمل الأهلي على مستوى المنطقة ربما يساعد إذا أتيحت له الفرصة ، الكيان الإقليمي المرتقب على تنمية السياسات التنموية التي تحتاج إليها دول المنطقة مجتمعة . وقد وجدت احمد خليفة السويدي يلتقط الفكرة بحسه الوطني ورغبته في أن يكون لمثقفي المنطقة دور في تنمية السياسات التنموية التي لابد أن تكون من ضمن اهتمامات الكيان الإقليمي فضلا عن أنها من صميم اهتمام كل دولة في المنطقة . وكنت في ذلك الوقت في إجازة تفرغ دراسي في جامعة هارفرد بالولايات المتحدة وكنت أفكر في إجراء دراسة حول كفاءة أداء المشروعات العامة في المنطقة وانظر في دور المشروعات العامة في التنمية الاقتصادية فيها . وذلك من اعتبارين أولهما : إن المشروعات العامة في المنطقة في ذلك الوقت كانت تشمل شركات إنتاج البترول والصناعات التحويلية القائمة على النفط والغاز وأجهزة الاستثمار العام وصناديق التنمية، فضلا عن شركات الطيران والبنوك وشركات التامين والمشروعات المشتركة الإقليمية والعربية . وثانيهما: أن دول المنطقة لديها فوائض نقدية من ريع النفط التي يحسن الاحتفاظ بجزء منها في شكل استثمارات اقتصادية حقيقية لابد أن يكون للقطاع العام دور في إنشاءها وإداراتها على أسس اقتصادية بعيدة عن بيروقراطية الدولة . وبعد التداول مع أبو محمد في أهمية الدراسة وإمكانية القيام بها من خلال الحوار بين مدراء المشروعات العامة في المنطقة والمشرفين على إداراتها وعدد من الباحثين والمفكرين والمثقفين المعنيين بقضايا التنمية والناقدين لمسيرتها في دول المنطقة، وجدت احمد خليفة السويدي يطلب مني دون تردد ترتيب لقاء لهؤلاء وعرض الدراسة على ذلك اللقاء وانه شخصيا سوف يرعى هذا اللقاء ويستضيفه جهاز أبو ظبي للاستثمار باعتباره من المستفيدين من مثل هذه الدراسة والندوة وما ينتج عنها من توصيات تساعد في رفع أداء المشروعات العامة ذات الأهمية القصوى والمدخل الاستراتيجي للتنمية وتنويع مصادر الدخل والاحتفاظ باحتياطات مالية للأجيال القادمة في شكل مصادر دخل ومصادر توظيف مجدية لقوة العمل المواطنة المتعلمة النامية. ولتأكيد ذلك عهد أحمد إلى الصديق سعيد احمد غباش وزير التخطيط آن ذاك أن يتابع الموضوع الذي سوف يستضيفه جهاز أبو ظبي للاستثمار، فبدأت الدراسة المكتبية التي كنت انوي القيام بها وقمت بالمقابلات الميدانية وعرضتها على مائة مختص من أبناء المنطقة وتم تقديمها أخيرا إلى ندوة ضمت ثلاثين شخصية من أبناء المنطقة المعنيين بالتنمية فيها من سائر دول المنطقة. وقد قررت تلك الندوة استمرار لقاءاتها سنويا وأنشأت لذلك إطار سمي "منتدى التنمية لدول الجزيرة العربية المنتجة للنفط" .

ومما يكتب لهذه المبادرة هو استمرارها دون انقطاع وشمول عضوية منتدى التنمية مثقفين من جميع دول المنطقة وبلوغ عددهم حوالي مائة وخمسين شخص استمرت لقاءاتهم السنوية وتناولت مداولاتهم والكتب التي صدرت عن المنتدى على مدى 23 عاما كافة القضايا ذات التأثير على جميع جوانب التنمية الشاملة ذات الوجه الإنساني،  كان أخرها واجرأها اللقاء السنوي الثالث والعشرين يناير 2001 الذي تناول "متطلبات وتحديات التحول الديمقراطي في أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية" .

هذه ذكرى واحدة تشير إلى فضل الرجل والصديق والأخ احمد خليفة السويدي ومبادراته الخيرة المعطاءة التي مازالت المنطقة تتطلع إلى أمثالها وخير منها وأبو محمد حري بكل عطاء خير .